أريدُ أن أنهض من وعكتي ..
لا تقدم لي القهوة، لا أحبها، إن كنت ستقدمها أضف معها الحليب، ويا حبذا قليلٌ من نكهة الفانيلا لئلا أضيف السكر. أحب المقاهي لكنني لا أحب القهوة كثيرا، وأحب المقاهي المفتوحة .. تلك التي تحث الروح على الخفة والاندهاش بكل لحظة سانحة ومشهد عابر. أمد يدي تحت الطاولة أتخيل بأنني أتشبث بخيط لا مرئي بين حبيبين، أشدّه .. أقربهما من بعضهما أكثر. يدك فوق الطاولة، تطرق عليها بأصابعك، تزعج كينونتها، لا أسألك ما بك .. لأنني لست مهتمة، ليس الآن، ليس في اللحظة التي أحاول فيها أن أنزع جذورك مني لأنّي ما عدت الأرض الخصبة ولا تلك التي تتمنى لو تكبر من مائها. تسألني ماذا سأشرب، أجيب بأنني أشتهي قطعة ريد فيلفت، لا، بل أشتهي أكثر الكريما التي تلبسها الريد فيلفت مثل غيمة، تسألني بتهكم لن تشربي الشوكولاتة الساخنة! غريبة، لا أبتسم هذه المرة ولا أضيف ردا أخير، أريد أن أنهض من وعكة قلبي، منك. أسافر في اللحظات العائمة أو لنقل تلك التي انتهت منذ مدة، أفكر بالكلام الذي قلته .. كانت عفويتي محض سذاجة، واستبصاري عمى، كنت أشدّ على يد لم تكن موجودة أصلًا إلا في خيالي وأرخي تعبي على كتف كانت أطول وأشد تكبرًا من أن تحملني، كنتُ شكل الكلام، كنتُ وجه الكلام الذي يعتمل في قلبي ففاتني أن أكون البئر لسرّي، لماذا أضعف هكذا، لماذا حين تضعف أنت لا أشعر بالأمر سيئًا، لا أحب أن أرى ضعفك، ليس هذا ما أعنيه، لكنك لا تبدو سيئا وأنتَ ضعيف، إنما أبدو أنا مثل ديمة تدفعها الرياح إلى أرض لا تحبها، مثل كتاب مشرّع تمرّ به الأيادي والوجوه، يقلبون صفحاته ببرود، يسألون بتعاسة لم لا يعيد أحدا هذا الكتاب لمكانه .. هذا الكتاب؟ هذا الكتاب له اسمه على فكرة!. يدك ما زالت تطرق على خشب الطاولة، أرنو أنا .. لن تستعيد جذورها ولا أوراقها، اطرق أكثر لربما يحمل إلينا النسيم رائحة الغابة حيث نبت خشبها لأول مرة، لم تطلب شيئا، ولا أنا، كنا نحدق في وسع المكان، في الهواء الذي كلما فتحت فمي لأقول كلاما فكرت به منذ مدة اختنقت، لماذا لا ينصفني الهواء، لا يسند صوتي، لماذا يصر على أن يتغافلني ويسحب مني الكلام خارج قلبي الصغير .. ويضيع به، أعد لي كلامي، كلامي الحرج والطويل، أعد لي قدرتي على أن أنهض وأبتعد دون أن ألتفت للمرة الأخيرة لأتأكد من قلبي، معي أم معك.