الأحد، 2 سبتمبر 2012

 

 

- تعودين مثل الصباحِ الوليدْ *



 
 
 
في القلب متسعٌ أكبرْ، انّه يحفظ كلّ شيء .. رغم فداحةِ الموت و كسل الحياة. أصغي جيدًا ربما ضيعتُ نبضكِ في جلباب
ذاكرتي، و لوهلة أصدّق أنكِ تغيبين .. لكنّك تكبرين كما العُمر، كوجهةٍ واحدة.
 
 
 
منهكة كعود ثقاب منطفئ، عظامك هزيلة و وجهك قاتم كليلٍ طويل، لا تقلقي مازلت أحبك و أظنك جميلة، و سأخطو المستحيل كي يعود وجهك صحنًا من فضة، و يداك وردتان متفتحتان بعنفوان، و الضحكة الخاملة الآن ستعود أكبر و بصوت عالٍ يسحب خلفه كلّ الطيور المهاجرة عن الوطن، انك الآن تغطين في سباتٍ عميق، يداك الشبيهتان بغصن شجرٍ ضعيف منكفئتان على بعض كما لو أنهما تحفظان قداسة خاصرتك و محيطها الدقيق، سارحتان في فراغ ردائك الأبيض و امتداده حتى ركبتيك الهشتين بحزن، شعرك مازال أسودًا يشبه حصانًا يافعًا يجرّ الرهان نحوه كل مرة، يشبه سنابل لا يفك قيدها الريح، انه مسرّح بفتنة، مأخوذ كله نحو كتفك الأيمن، جاثم بسلام ينتظر عرسًا، و كم تخيلت ان النجوم الآن تقرأ التعاويذ عليه علّها تنهمر من بؤر السماء نحوه، وجهك أيضًا مائل نحوه بانكسار كأنه يسترق السمع للّيل و الشهب فيه، أقيس المسافة بين ذقنك و كتفيك، ياه .. طويلة كتعب النخيل، كوقع انتظاري، كفرح كلمة الحب الأولى و حديث الأطفال عن اللعب و العيد، أمشي بأصابعي على عنقكِ البارد، أحاول بيأسٍ أن أصنع سحرًا، كأن أرسم قلب حبٍ أو نجم أو اسم الله فتعودين كالربيع، كنضارة أرواحنا حين نحزن، تعودين اليّ من بعد هذا الفقد و التعب و السفر الذي لم يحدد وجهته بعد، ترى بماذا تحلمين؟، احلمي بي .. لنلتقي في الحلم، اشتهي أن أقبّلك و أشعر بحسّك يرد على حديثنا الصامت هذا يخبرني أنه يحبني و أنه لا يريد ان ينقطع عني، و أنه سيعود .. سيعود لي كما ترجع الشهقة، كما يرجع الطين لبيته الأول و خلقته، كما ينساب الشجر للأرض يتذكر مولده الأول، كما نعود نصحو و نبكي و نحلم، كما تعود الشمس لدارها في السماء و تشرق في قلوبنا، كما تخبز الغيوم الأمنيات و تدثر النجوم بها، كما يرجع القمر بدرًا بعد انحسار وجهه، كما تعود كل الأشياء التي من المفترض عليها أن تعود، كما من المفترض أن تعودي إلي .. عودي اليّ.
هذه الغرفة باردة، تحمل رائحة الموت و ضوءًا يشبه حياةً بعيدة، هذه الغرفة لعينة .. لا تحمل معنىً واضح و لا كلمة تُلفظ كحقيقة واحدة، انها اشبه بكفن واسع، لكنه لا يلتف لا يغطينا، لا يميتنا كما يفترض و لا يسرّحنا من نفسه الثقيل الوقع، اننا محاصرون، عالقون بين معنى الموت و الحياة، انه لا يهدينا لأيّ منهما، و يبدو أن كلاهما - الموت و الحياة - لا يصارعان من أجل أن يتلقفانا، انني بكل حزن و خوف أتمنى حين يخطو أيّ منهما أن يبتلع كلانا، أن نعيش معًا .. أن نموت معًا، لا أنصاف أطراف، لا أنصاف حيوات، لا أنصاف عوالم، انني لا احتمل فكرة أن يظل أحدنا في ركنٍ بعيد عن الآخر .. هل تتصورين المأساة التي نعيشها، بين الشيئين الوحيدين المطلقين، بين الموت و الحياة، بين أشدّ الحقائق اتساعًا و ثبوتًا في هذا الكون، متعبٌ سفر هذا الطريق، انني أسحبكِ خلفي لكنك لا تتحركين، أحاول أن أتبع خطوكِ لكنّك مع كل خطوٍ تخلفين ضبابًا أكثر و أسوار صغيرة ..
 
 عالقٌ معك كالظل، كأثر الفراش، لا اريد ان اتشبث بعكس الاشياء التي تسيرين خلفها، استلقي بجانبك، آملًا أن يتسرب بعض من وجعك لي، او ان يطير الفرح الباقي في صدري نحوك، ( أن يتسرب بعض الموت لي، أو أن اعديكِ ببعض الحياة ) * ..
عودي، في صدري فوضى عميقة، و صرخاتٍ تدوي في أذني لا يسمعها أحد، ثقب طويل في صدري و ألف قصيدة تحتاج أن تتدخلي في بيوتها.
 
 


 
 
 
* الأوّل من سبتمبر 2006
بين يديك المنهكتين، ظلال شجر.