الخميس، 13 ديسمبر 2012

حرٌ أيها الشاعر، كقلب طير ..







*
" a library is a hospital for the mind." ~





كانت قد دخلت لتوها المكتبة، لم يكن في المكتبة أحد، لا زوار، ولا قراء، لا أحد سواها، في هذه الظهيرة المسالمة، وعاملان اثنان مازالوا يرتبون كتب الرف الأخير، وسينصرفان حال انتهائهما عائدان لأوطانهم و عوائلهم الصغيرة. ولأنها الأميرة، فكان يسمح لها بأن تدخل المكتبة متى شاءت، وأن تبقى فيها لأي وقت، باب المكتبة مفتوح دوما لها، وتتشرع الكتب كلما هبت روحها للداخل، هذه الأميرة التي تجد في القراءة بيتا أوسع وأدفأ، تشعر بالكتب أوطانا من غيم، وأن أغلفة الكتب سببا للتبسم، دخلت كما لو أنها تتمشى في حلم قديم ..
تخيلت لو أن خطرا ما أقبل، سيحميها الشاعر في قصائده الأخيرة، وسيخطفها بطل الرواية للفصل الرابع ويختبئان حيث أول لقاء، والكاتب الذي تحدث عن الاقتصاد في كتابه الأخير، سيحولها إلى حصالة نقود لحين ينزاح الشر. كان الجو هادئا، دافئا، يحمل رطوبة الكتب القديمة، وامتداد الورق الأصفر، والرائحة كانت أكثر ما تعلق بتلابيب روحها، هنا في المسافة الفاصلة بين ضحكتها والحلم، تمشت الرائحة، رائحة الورق، تحبه أصفرا وقديم، هرمة أطرافه، تتخيل قلب الكاتب حين مشت حروفه هنا أول مرة ..
تجولت بداية ناحية كتب الشعر، يرتفع قلبها مع كل ديوان تلمسه، تفتح واحدا خلسة، تختار قصيدة عشوائية وتقرأ .. تقرأ كما لو أنها الشاعر نفسه وهذه الكتب حبر وخرائط إلهام. مر بها أحد العاملين في المكتبة، ابتسم، لقلب هذه الأميرة المنكب كله نحو الأشياء الرقيقة، الأميرة التي لا تشبه احد، خلاصة الذهب، وبلل غيمة الصيف العابرة، اتجه ناحيتها، حيث تقف وامتد لرف أطول منها، اختار ديوانا لشاعر لم تسمع به قبلا، ضحك يخبرها بأنه متاكد أنها لم تتعرف عليه ولن تفعل، هذا لأنه كما بدأ يقول :
 
" شاعر فذ جدا، ظلمه زمانه، ومتذوقو الشعر آنذاك، اذ كان الشعراء يتجهون وقتها بعنفوان تجاه القصائد المتكلفة والمنذورة كلها لمديح الملك، حيث لم يحمل أحدهم طابعه الخاص، سوى أوصافه التي يأتي بها عن الملك، والتي غالبا كانت تفوق ما يمكن للعقل البشري أن يتخيله، ولا تمر بسلاسة على عقول المستمعين والملك نفسه أحيانا، قصائد غارقة بالمديح المفرغ و التملق، لكن وحده شاعرنا النبيل أثبت جدارته، حين دعي مرة من المرات لحفل ضخم أقامه الملك والتي كانت المرة الأولى في حياته، ليقرأ عليه شعره هو وشعراء آخرين غيره، حين صعد على المنبر ليلقي قصيدته أمام الملك والحضور الهائل، بدلا من أن يلقي كلاما ساحرا يصف فيه الملك بأوصاف لم تخطر على قلب بشر، بدأ بكل عذوبة يقرأ قصيدة يصف فيها محبوبته، وحبه العظيم لها!، تخيلي مدى الإهانة التي استشعرها الملك آنذاك، وفرحة باقي الشعراء بالموقف الذي وضع شاعرنا نفسه به، الموقف الذي لا يحسد عليه، فعلى أقل تقدير كان من الممكن أن يسحبه الحراس من ناصيته حتى البرج، حيث يتعفن هناك في الظلمة والبرد والرطوبة، هذا ما كان يتخيله الشعراء كقدر محتوم للشاعر الفقير، وكانوا يبتسمون بعمق داخل قلوبهم، ووسط دهشة الحضور، .. لكن ما حدث حقا، أن الملك وقتها لم تصدر منه أية ردة فعل متفاجئة، بل على العكس بدا مهتما جدا بما يلقيه الشاعر، وكان يستمع لالقائه بانصات حتى بدا للجميع أن القصيدة لاقت استحسان الملك تماما، فقرروا هم أيضا أن يبدؤوا باستحسان القصيدة مجاراة لجلالة الملك. وبعد انتهاء شاعرنا من القاء قصيدته، التي كانت بلا شك،  قد سحرت كل ذي قلب رقيق، وحس مرهف عذب، هذا الشاعر لا يكتب عبثا، انه ضوء من الفتنة، انه حين يكتب يصب شيئا من رهافة روحه وعذوبة قلبه، ولاشك بأن الفضل يعود لمحبوبته أيضا، اذ أنه في الحب تتفجر في المرء طاقة لم يعهدها قبلا فيه، و ما كان ليدرك وجودها قبل أن يخوض الحب، وقبل أن ينزل الشاعر من على المنبر، استوقفه الملك، ونزل من على كرسيه المذهب وسار بفرح نحو الشاعر، وأمام دهشة الملأ، حياه الملك وبدأ يصفق له بحرارة، كما لو أن التصفيق آت من عمق قلبه لا من كفيه، وصرخ ببهجة مخبرا الكل بأن هذا الشاعر فاز بقلبه الليلة!، وأنه انتظر كثيرا شاعر بمثل بسالته ونبالته وصدق روحه، اذ أنه آثر الظهورعلى حقيقته الكاملة غير مبال بما قد يناله جراء ذلك، ظهر بلونه الخاص وطابعه الذي يميز روحه بعيدا عن التلون والزيف، أكرم وقتها الملك شاعرنا بوسام شاعر القصر، ومكرمة مالية عظيمة، واقترح عليه أن يبني له كوخا دافئا في الريف يتسلى بوقته هناك ويكتب مزيدا من الشعر العذب، كما عرض عليه الملك جواري القصر ليختار منهن من تلهمه شعره، لكن شاعرنا النبيل اكتفى بالوسام ووافق على أن يحظى بالكوخ، نزل الشاعر من على المنبر، بقلبه متعثر النبض، وابتسامة يحاول أن يخفي اندفاعها لكنه فشل، وفي قلبه يردد حب محبوبته، لأنه ما كان ليكتب شعرا زاهيا لو أنه لم يلتقيها. في هذا الأحيان كان باقي الشعراء يموتون غيظا مما حصل للتو، وكيف لهذا الشاعر التافه أن يقف على المنبر ويصف محبوبة ربما لا تلتفت إليه، أن يحصد مكانة طيبة في قلب الملك، وحين تأكدوا بأنه لا مجال بأن ينازعوه على حب الملك وبهجته، اتفق بعضهم على ضرورة أن يختفي هذا الشاعر من مدينتهم، أن ينتهي كما لو أنه لم يوجد أبدا، فكر أحدهم بأنه لابد من خطة ما مناسبة تنفيه خارج المدينة، لكنه من الصعب تلفيق تهمة مناسبة، فهذا الشاعر قبل أن يعرف بشعره العذب، كان قبل ذلك رجلا محترما ومواطن يعرف بنبله وشهامته، لذا قرر الشعراء بأنه يجب أن يُقتل، لأن ما فعله اليوم وما نتج عنه، من الممكن أن يدمر كل مخططاتهم ومحاولاتهم لكسب ود الملك، ولو أنهم حذوا حذوه سيتأكد الملك من أنهم ما فعلوا ذلك إلا ليحصدوا ما حصده، وينولوا ما ناله، ولذلك السبب كان أفضل ما يمكنهم فعله ليخلو الطريق لهم مجددا، هو أن يقتلوه، الليلة، الآن في الحفل!!، حيث لن ينتبه أحد وسط هذه الضجة إلى غياب هذا الشاعر النكرة - بنظرهم -، وفعلا تم قتل الشاعر هذه الليلة، وقد قام بذلك قريب لأحد الشعراء، عرف بأنه قاتل دنيء ولص هارب، أما أشعاره فقد تم حرقها من قبل الشعراء أنفسهم ايضا، وبعضها احتفظوا بها وتشاركوا في نسبها لهم، ولم يكتشف أحد حقيقة هذا الأمر أبدا، وظنوا بأن الشاعر ربما غادر بعيدا، بعد أن كسب مبتغاه من الملك،
وظل شاعرنا مجهول المصير، حتى فطنت محبوبته أخيرا بفعلة الشعراء الخبيثة، وأخبرت الملك وحاشيته عما ساورها من ظنون حول مقتل حبيبها الشاعر، وبعد بحث طويل وتحقيقات مريرة قام بها معاونوا الملك وأمهر المحققين في المدينة مع الشعراء، اعترفوا أخيرا بفعلتهم الدنيئة وأعادوا أشعاره المسروقة قبل أن يُنفوا نهائيا دون عودة من المدينة. لحسن الحظ أن محبوبة الشاعر كانت قد احتفظت قديما بالأشعار الكثيرة التي كان يغدق بها عليها، أشعار في وصفها، ومدحها، وحبها، وشوقه إليها، ولقد كانت هذه الأشعار كما يروى من أعذب وأرق أشعاره التي كتبها، حيث أنه لابد من أنه كان يعيش في حالة من الانسجام و التلاشي اللذيذ حين كان ينظم القوافي من أجل أن تعادل روحها، وحسنها، وحضورها المزهر. جمعت محبوبته الأشعار جميعها في مستند كبير، وحفظ في المكتبة الملكية آنذاك، لكنه لسوء الحظ، كان الناس وقتها قد نسوا أمر هذا الشاعر، واختلفت اهتماماتهم بالشعر عما كانت عليه قبلا، اذا صار العامة أكثر صوب الفنون الموسيقية والمسرحية، وإن كان أساس أغلبها الشعر، إلا أنه بالتأكيد اختلف تماما عما كان عليه في عهد الشاعر من أسلوب في النظم والوصف، بعد قرون عديدة، أعيد ترتيب اشعاره ووضعت كلها في ديوان يخصه، وهو الديوان الذي أمسكه الآن في يدي، وجدير بالذكر أن هذا الديوان هو ديوانه الأول والوحيد تخيلي!، لكنه عذب كما الماء البارد ظهيرة يوم حار، عذب وأحفظه عن ظهر قلب، وإني لسوف أقرأ عليك الآن القصيدة التي تسببت بشهرته ومقتله بنفس الليلة!، ولست ألوم الشعراء حقا إن هم قتلوه، أعني من كان ليتفوق على رقة هذا الوصف وسحره .. اسمعي اسمعي "

وبدأ يلقي القصيدة عليها، القصيدة التي شعرت بسحرها كما لو أنها تقرأ للمرة الأولى، القصيدة التي تشبه حقل زهر، القصيدة التي تشبه الأغنية المرادفة لاحتشاد الغيم في السماء، حتى أن دمعة طفرت من عينها من فرط رقتها. استأذنته بأن تنسخ القصيدة في مذكرتها الصغيرة، لكنه أبى إلا أن يهديها الديوان، تنغمس في حالميته كيفما شاءت. ثم غادر المكتبة، وبعد دقائق غادر العامل الآخر بعد ترتيبه الكتب في الرف الأخير، تاركين هذه المساحة الواسعة من الدفء والورق متروكة كلها لها، أُغلق باب المكتبة، وعادت لخلوتها، تتمشى بين صفحات ديوان هذا الشاعر الذي فاته أن يحس بحضوره الفاتن أحد، كانت تتمشى بين الرفوف، تلمس الدواوين والكتب من جديد، وتجرب متعة أن تحكم بسخافة على الكتب من أغلفتها بصوت عال ومسموع، كانت بقعة مديدة بالجمال، بالترف الروحي، ولو أن ظلها كان من الممكن أن يبزغ، لانفصل عنها وتمشى في الناحية الأخرى من الرف يدور كالفراشة حول هذه الحقول المطبوعة، والهدوء الذي تعيشه ما كان من الممكن أن يقطعه سوى تعليقها على القصيدة بصوتها الذي لا يسمعه سواها ..
 كان الجو هادئا، ساكنا، ولذيذا .. إلى أن باغتها دوي مفاجئ!، ظنت بداية بأنه الباب، لكن من الواضح أنه لم يفتح، ومن كان ليفتحه وقد اُغلقت المكتبة، فكرت بأن رفا ما وقع، وراحت تمشي ناحية المكان الذي ظنت بأن الصوت قد صدر منه، لكن لاشيء، لا كتب ولا رف منهار على الأرض، وقفت تتأمل المكان، تحاول أن تنصت لسبب هذا الضجة المفاجئة، دقائق .. حتى سمعت صوتا غريبا، صوتا قريبا جدا منها، صوتا يشبه، ممم .. يشبه فحيحا، يشبه تنفسا ثقيلا، تنفس شخص ضخم جدا!
التفت ببطئ .. ثم صار المشهد، صوت الكتب تنهال من بين يديها على الأرض، تخطو للوراء بفزع، بوجل، بعينين جاحظتين، ببطء، بحيرة، بتوتر .. تحاول، تحاول .. تحاول الهرب. كان التنين مع كل خطوة تخطوها الأميرة إلى الخلف، يخطو هو باتجاهها إلى الأمام، ترجع أكثر، وأكثر، تصطدم بالحائط خلفها بعنف لتشهق فجأة، ويصرخ بعدها التنين مضرما في الهواء نارا !!
أغمضت عينيها بقوة، وانحنت بجسدها للاسفل مولية روحها للحائط، تستجدي أمنا، وبيديها الصغيرتين تحتمي من ناره، وتتساءل وهي تصرخ داخل قلبها، من أين أتى! كيف؟ تنين داخل المكتبة؟ كيف؟!! يا إلهى احمني!، صراخها الذي شق قلبها، وظل محبوسا صوب حنجرتها، لم تصرخ بشيء، ظل السؤال يدور في الداخل محدثا غصة عميقة في حلقها، تلتصق بالحائط، تحاول أن تنفد داخله، الولوج إليه، أن يبتلعها الحائط، أن تسحبها الأرض، أي شيء!، المهم أن تهرب أو على الأقل تصحو، لربما كان كابوس ظهيرة مفاجئ! تهز رأسها لا لا، لا يمكن أن يكون سوى كابوسا، لا يمكن لتنين أن يدخل مكتبة!!!!
كان التنين قد تسمر مكانه يتأمل هذه المخلوقة الصغيرة، وأطرافها العذبة، شعرها الذي يشبه خيوط الشمس، اقترب منها حتى أحست بزفيره يهب في شعرها، رفعت رأسها ببطء، لربما تصحو من الحلم، لكنه مازال موجودا، وقد ابتعد للخلف قليلا يتأملها بهدوء، رويدا رويدا ترتفع بجسدها، تعاود الوقوف، ملتصقة بالحائط، تحتمي بعد به. تأملا بعضهما البعض لدقائق طويلة، حتى ظنت بأنه لابد من أن العالم قد انقلب، أو أن خطبا ما دار بعقلها، ولأنه لا مفر من غرابة ما يحدث أمامها، لا ضير من أن تثير غرابة أكثر ..، مدت يدها بهدوء ولطف نحو التنين : " مرحبا!!! "
ظل التنين دون حراك لمدة، ثم تقدم ناحيتها يتحسس يدها بأنفه الضخم، ومنخاره الذي يشبه بئرا واسعا، كان الفزع قد صلب أطراف الأميرة، لكنها حاولت جاهدة من أن لا تبدي أي ردة فعل مفاجئة تودي بروحها، أصدر التنين فحيحا هادئا وعاد مكانه يتأملها، ضحكت الأميرة خلسة، لابد من أن هذه هي طريقته الخاصة ليرد فيها على تحيتها، مشت ببطء ناحيته، كان ما يزال هادئا، يتأملها..
إذن تنين ..، انحنت نحو الكتب لتلقطها بهدوء تام، ثم عادت إلى مكانها، حيث جلست مستندة على الحائط وفي حضنها الكتب.
مرت فكرة مجنونة، أضاءت روحها فجأة ثم بدأت تخبر نفسها : " لا لا، مستحيل .. هذا جنون ومضيعة للوقت، .. وهه مخاطرة غبية"، لحظة، تنين ما ظهر أمامي فجأة، أي مستحيل بعد!!، ثم عادت تذعن برضا للفكرة المجنونة، فتحت الديوان الذي أهداها إياه العامل في المكتبة قبل أن يغادر، وفتحت القصيدة التي ظلت تستمع لقصتها قبل قليل، وبدأت تقرأها .. تقرأها مثل ما شعرت بأنها يجب أن تقرأ، بهدوء، برقة، بهالة الحب تتشكل كجنحان حولها، بحالة انتشاء تام وحالمية، كما لو أنها تتحدث عن حبيب قرأتها، كانت قد انغمست تماما في زرقة القصيدة، بالسكر والغيم اللذان تحملهما القصيدة في جوفها، حتى طارت بعيدا عن واقعها، عن التنين أمامها، الذي بدأ يفرد جناحيه ثم يربتهما مجددا ببعض، كما لو أنه يصفق، انتبهت فجأة لحركته، ابتسمت وأعادت المقطع الأخير، المقطع الأشد عذوبة، الأشد فتكا بالقلب، أعادته .. وكان التنين مع كل حرف يربت بجناحيه أكثر، أكثر، فأكثر، حتى بدأ المكان يهتز فجأة، لا شيء سوى الغبار في المدى أمام ناظر الأميرة، توقفت!، ما الذي يحدث، أغلقت الديوان فزعة، .. هدأ كل شيء، هدأ المكان كما لو لم يعصف به شيء، اختفى الغبار، ليس ثمة غبار ... ليس ثمة تنين !!!
هرعت الأميرة تركض في أنحاء المكتبة، تبحث عن التنين، عن أثره لا شيء، ولا أثر يوحي بأن تنينا ما قد غادر المكتبة، كل شيء هادئ تماما، كما لو أنه لا شيء مما حدث للتو حدث حقا، الرفوف المرتبة، والأرضية النظيفة، لا اثر لدخان ولا لخطوات تنين، لا سجاد ممزق ولا رفرف مائلة ..، " هل كان حلما؟؟؟ لا يمكن!!! "، لا يمكن أن يكون ما فات حلما، والنار التي أضرمها، لفحة الهواء التي زفرها على شعري، وأنفه الذي تحسس يدي؟؟، عادت إلى حيث ظهر لها، بملء الدهشة، حلما؟ .. انحنت لتلقط الديوان، حتى انتبهت فجأة ... إلى حيث كان يقف التنين الضخم، انتبهت لريشة بيضاء كبيرة، تماما حيث كان يقف .. ريشة؟ من تنين؟
التقطتها، بحجمها الهائل بالنسبة للريشة، تفحصتها، حتى لاحظت بأنه نقش كلاما ما بطريقة غريبة على الجانب الآخر منها، كلاما يشبه رسالة ... حيث كتب فوق الريشة :

" في الغد، تنتظرك أميرة، أميرة يحبها الناس، والمدينة، والطير، والورق، ويحبك الله أكثر لأنها ستبزغ في حياتك، أميرة ستعيد عهدك الذي هدمه الحقد والكره .. بيتا، بيتا ما في قصيدة ما، قصيدة فتحت السر، قصيدة أغلقت باب روحك. في بيت ما، عند حروفه، ستتطهر من جرحك، ستنسلخ عن الوحش الذي خلفوه فيك، ستتطهر من النار التي تهرب من فمك كلما أردت كلاما عذبا لتقوله. لكن وحدها الأميرة، الأميرة التي يحبك الله لأنها ستبزغ في حياتك، وحدها إن قرأت البيت، ستتبدل روحك، ستصير طيرا خفيفا، لن تعود تنينا ثقيلا، سينساب الجرح من جنحانك، وتطير حرا عائدا حيث الحب، والحلم، وحدود العالم الآمنة. انتظرها، الأميرة التي ستبزغ في حياتك، انتظرها، واحذر من أن تؤذها، احذر من أن تطفئ ضوءها، فتنحبس روحك في هذا الجسد النتن، وتظل وحشا، وحشا لا خلاص من شره.
 
من :
مني أنا .. لي أنا.
أنا الشاعر الذي مات تنينا، الشاعر الذي قتلته حروفه،
 أنا الشاعر الذي يتوق لأن يموت مرة أخرى .. طيرا. "
 



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .






05:05 pm
run for a poem. run for a book.
run for a life ..
 

 

السبت، 8 ديسمبر 2012

A rush talk










 
 
 
 
 
 
 
 
 
تتأرجح أغنية في البال.
 ترقص فوق النص كلمة لم أكتبها بعد
في قلب الورق حبر ما قرأه أحد،
هل أعيده؟ أم أنسخ فوقه حديث قلبي ..
 
~
 
إن ما نصمت عنه، نتكلم حوله على الورق،
 نتحدث عنه هنا في المساحة الشاسعة.
مثل ماذا؟ .. 
- مثل ضوء الشارع اليوم، الخافت جدا، الصالح لقبلة تحته، صمت حين مررنا به، لم أعلق معهم بأنه خافت وأن مسؤولي المنطقة مهملين جدا، إذ أن شارع ما مظلم، لكنني كنت سأحب أن تأتي بي إلى هنا بعد موعد طويل، سأحب أن تمسك بيدي تأرجحها كالأغنية التي مازلت بعد في بالي، ثم تضمها قريبا نحو صدرك، وتضمني معها، سأقرأ عينيك وستفهم بعثرتي، ستبتسم وسنغرق معا في ظلمة الشارع العاطل، ثم تمتد نحوي، تقرأ علي شعرا و أغنية .. وأسكت.

لا يهم، هذا العالم لا ينكر فوضاه على أوراقنا، لا ينكر جانبه السيء الذي نرتبه في سطور، لا يعترض ولا يشتم، بل يمضي كما لو أنه واثق بأنه وحده من سيبقى، وحده من سيظل وسيأكلنا ترابه يوما، لذا، ابتسم حين تتحدث هنا، حين تتحدث وحدك، أنت وأفكارك الحرة جدا، المتسخة والمرتعشة، أفكارك التي لا يلتفت إليها أحد، ابتسم وأنت تخبر نفسك عنها، تحدث بأنها عظيمة وأنها باقية، بأنها حقيقية وأن أحدا ما في يوم بعيد سيطلع عليها ويمرغ بها وجه العالم البذيء، لحظة .. تعال، لم أنت قلق هكذا؟ وجس لهذا الحد؟ إن العالم طيب أيضا، صحيح إنه كذلك! العالم الذي نشتمه دون أن يعترض علينا، إنه طيب وواسع، لكنه بلا أيد يا صديقي، واسع جدا بلا أيد وأطراف وقلب، العالم الوحيد المرتكز بامتداده داخل صدورنا، لا يملك يدا للعطاء، وحدنا المكلفون بعملية الأخذ والعطاء، بأفكارنا الصغيرة والكبيرة والهشة والفضفاضة، بأفعالنا التي اعتدناها، بالفكرة ترسم شكل اليوم قبل أن نبدأه، بخطونا الهزيل أم السريع، أم المبتهج، نحن نرسم شكل العالم، نشكل قضيته، صحيح .. نسيطر عليه، بأفكارنا، سمعت؟ بأفكارنا التي نخاف أن نلفظها، بأفكارنا التي لا نستعد للحديث عنها غالبا نستطيع أن نمسك بقلب هذا العالم، لذا ابتسم، والحديث الذي طلع صوته عاليا فوق الورق، لابد أن يسمعه أحد، لابد أن يعرف بوجوده أحد، ليس ثمة فكرة سيئة، ليس ثمة خطة فاشلة، بل ثمة فكرة غير مكتملة، وخطة لم تتناسق بعد. مد يديك، مرة للأخذ ومرة للعطاء، مرة للنجدة ومرة للسؤال، السؤال الذي لا ندل إجابته، السؤال الذي يربك حواسنا، يتأرجح بنا مثل إثم عند حدود القلب، هذا السؤال .. أطلقه هذا السؤال، لا بأس، قل كيف؟ لا أدري ولست أعرف، قل أين ومتى وأجهل، أطلق الحاجات داخلك، أطلق كينونة الجهل وضيق الإدراك من بؤرتك، إن الجهل معرفة، والسؤال ضوء، وكتاب واحد لا يكفي. هل رأيت كم هي أفكاري مبعثرة؟ كم لست أدري كيف أبذل الحديث داخلي على أحسن وجه، كيف لا أميز الأفكار الدائرة في القلب؟ لكنني مع ذلك أحاول، أحاول علني أصل لباب، لمفتاح، لثقب، لنافذة .. أو حتى علبة شوكولاتة.
 
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
 
 
 
now tell me,
 how can i be the change i wanna be?

الأحد، 2 ديسمبر 2012

a sweet call.






,







" Sing me a song, make me rise, fullstop all the dazzling moods am blending with, make me rise, i wanna hear the sun cry, because am her only dear cloud, your only dear soul. " .. *
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
- هل يصلكِ حديثي؟
- يصلني ..
و أرد عليه بقلبي.
 
 
 
مفتاحٌ أول :
وليس ثمة مفتاح ثان .. أو أخير.
أؤمن بك، مفتاحي الوحيد، ملتفٌ برقة كما مفتاح الصول " انتهِ عندي .. " يتوسل.
 
 
 
تناديني .. يقف الكلام عند حدود العين، دمعٌ لا يشبه مطرًا، بل أعذب، دمعٌ شفيف حيي، يشبه أكثر أغنيةً حالمة، أدور على اثرها بفستانٍ قصير وقدمين حافتين، أنثر ربيعًا داخل صدرك وأكبر منه زهرةً مثل بلدٍ حنون، أقوم الغصون النائمة بعد على تنهد الفجر، أملأ بطون العصافير التي تفكر بتعب البارحة والعشاق الذين ما عادوا يلتقون كامتزاج ضوئين، تناديني .. وأشبه ضحكة، ضحكة لم تشفى بعد من أثر الموقف العاطفي، من أثر الصوت السحر، من أثر الحرف يقوم حرفًا آخر ويكبرون جميعًا مثل قصيدة، أو اسمي.
 
تتمشى كما يحلو، كما يتوافق الدرب مع خطوك المازح، خطوك الذي يتقدم ثم يعاود امتداده للخلف، خطوك الذي يصل ولا يصل، تمشى .. تمشى كما يحلو لك، في القلب، في الروح، في العين، في الدم، في الأغنيات في خطوط كفي، في الفكرة التي ترفعني نحو غيمة، في التفاصيل التي أرسمها طول الطريق على النافذة، في التفاصيل التي تنتهي بك، في الضحكة التي أخبئها لك، في ملامحي، في ضوئي، في عتمة الظل يتلاشى حين تبزغ.
تتفتح أمنية، تتثاءب فوق الستار المنهمك من وجه الشمس، تصير بخارًا، ثم تنهال مثل ندى، خفيفة .. تتأرجح بين ضمٍ وفتح وكسر، مثل عتاب المحبين، مثل عتابهم يسبقه إلينا شوقهم، مثل صرير الباب ينفتح، ينغلق، ولا يهم هل يدخل الهواء أم أنه يدلف خارجًا، مثل عقارب الساعة، الساعة التي لم تعد تعمل، يعبث بكينونتها القدرية اصبعٌ صغير. أمنيةٌ وهاجة كعينيك حين تطوف بهما دهشة ..
 
تناديني .. يتخبط النبض كرفرفة الفراش حين يوشك على الاحتراق، كوجه الأرض حين تهزه فرحة الصغار، وحربٍ قديمة، لا يلبث دمي هادئًا، يفور كالشجر متى ما عبرته ريحٌ هائمة .. أيها القريب كالروح، كالأصوات آخر الليل، كنسياننا لمناماتنا حالما نصحو، أخاف على قلبك من الحب، مني، من جشعي، من رغبتي العميقة، من ترددي، من طفولتي المتشبثة بعد بخصري، من أسئلتي وضلالاتي، من قلبي، من فكرة أن لا تعود، من فكرة أن لا أستيقظ .. أحبك بعيدًا تناديني مثل خرافة، مثل شيءٍ انتظرت وصوله، وأرد عليك التحية كما لو أنك لم تثقب صدري، لم تحل فيه زهرًا وسماء، .. أظل بعيدة وأنت الأقرب " لعيني من أنفي .. ".
نادني، أريدك أن تنادي أكثر، أن ترتعب الكلمات وتصير قصيدة، أو ربما ينبت من هذا الليل شاعر، أريدك أن تنادي وعيناك حديث أقف في بدايته وأصير نهايته، أشبه كل سطوره والشغف الذي باغتك حين فكرت أن تكتبه، أريد أن أتشكل الدمعة المالحة في روحك، الدمعة التي تتلاشى سريعًا لأنها تزهو وردةً في الخدّ صباحًا، أريد ان أخبو في القلب ثم أكبر بك فجأة، أن يباغتك وجودي، أن تشعر وأنت تشرب قهوة مرّة أنني البن والحقل وانتشاء السكر، أن تشعر وأنت تأكل طعامك سريعًا وحيدًا، أنني أضع ملحًا وأغني عند قلبك أغنيتك المفضلة، أريدك أن ترغب بي وأنت ذاهبٌ حيث لا تدري كتفي بمحاذاتك ويدي تحيط بأصابعك كقلب أم، أريد حين تستحم أن تفكر بالماء، أنه يحاول أن يشبهني وأنه يليق كفستانٍ لروحي، وحين تنام أريد أن تطفو أمنيةٌ ما في صدرك بأن تكبر الوسادة، أو أن تأتي بوجهي و عيني و شعري، أن يمتزج حسيّن، ربما يتداخل حلمين، حلمي و حلمك، نصير حلمًا واحدًا، ونلتقي ..
 
أريدك أن تتخيل العالم يشبهني، أو أنه لا يدعو للرقص والضحك، لا يدعو للكتابة والصمت، لا يدعو للحديث ولا الاستهجان، حين تنسى يومًا أن تناديني .. في قلبك.
 
 
 
 
 
 
 
" نادني، أحبك أن تنادي .. "
بصوت ماجدة كما أشتهي، تشعرك بأن نداءك لذيذ،
وأنني أذنٌ تحب التهام صوتك.
 
 
 
 
 
سيسمعك الله يا قلبي، سيسمعك، احفظه أكثر
و سيسمعك، و سيرفعك أكثر ..


السبت، 10 نوفمبر 2012

و ما جاوبنا ..




حسنًا لست أدري ما الذي على وشك أن أخبر به، ضعفي، هشاشتي، الضجة داخل قلبي، و أنا الصغيرة التافهة أمام كل شيء، تورطي بقلبٍ بعيد، بقلبٍ ضعيف هو الآخر، و طريقنا من البدء مسدود، كنت قد تمنيتُ أمرًا مشابهًا، تمنيت دون أن أحذر مما أتمناه. إنني أقرأ كتابًا لا يشدّني علّي أنسى الاختناق الذي يعبرني، أحدث روحي عن الأشياء التي تجعل هذا العالم سعيدًا علّه ينحاز بعيدًا عني.
أفتقد بقعة الضوء في روحي، الممر الذي يُفضي إليها، أحبّ الضوء، الضوء الذي يشبه الرضا و الارتياح و الأفكار اللذيذة، لا ضوء المصباح آخر الليل، أحسّه منزوع، ضوئي الذي شكل أحلامي و لغتي الركيكة. أفتقد شعرًا رقيق قوّمت نصف أبياته، أفتقد صوتًا آمنًا يخبر بأني جميلة و أنّ قلبي وطنه واسع الامتداد، من يتصفح إيميله أصلًا؟ لم أكتب؟ هل لينزح الجرح خارج صدري و تسكن بدلًا منه نجمة؟ هل لأن الكتابة صدرٌ واسع للخذلان و الخيبة و التلاشي؟ هل لأن الفراغ داخلي يشبه سماء مقفرة من غيم ..
اقترب، أريد أن أتحسس نبضك و كل الحديث الذي ما أخبرتني به، تعال أريد أن أشفيك من وعثاء الأمس و تفاهة الحاضر، أريد أن أشكل مستقبلك، هذا الحب و امتداده لا يشبهني، وقوعي فيه لا يرضيني، أحب الحب و أنا أكتبه، أحبه عظيمًا كما أقرأه، أمّا أنا فلست جديرة بأن أشعره، أنا أجبن من أن أقع في الحب، أنا أتفه من أخبرك عنه و عن شكله و حضوره ..
 
إنني أشبه بكاءً طويل، بصمتي و شوقي و رأسي المائل يبحث عنك داخل صدري، أنت فيه، منسيًا في أعماقه لا أصل إليك.
 
و أنت حين تقرأ تجاهل الأمر، أو ردّ بفظاظة لو رغبت، لست مخطئة في العنوان، لكنني لست أعرفه أيضًا، إنما قررت أن أبذل جنونًا آخر الليل، و أفضي ما في صدري لشخص غريب. ربما لست موجودًا .. ربما ليس هناك شخص يحمل هذا الايميل، لكنني سأرسل، ليتخفف هذا القلب!
 
 
...................................
 
 
 
 
 
 
 
 
و أنا النقطة الواقفة بمحاذاة السطر الأخير، البعيدة عنه أيضًا،
 بيدٍ كتاب و أخرى تعبث لتصل إلى حلم قديم، داخل قلبي.
أنت البعيد، في منتصف الجزء الآخر من العالم،
 هناك حيث البارد القارس و الشتاء الطويل، ربما تفتقدني،
ربما تعبّر لي عن فقدك و توقك بطريقةٍ لكنني لا اصل إليها،
ربما يتمشى قلبك إليّ الآن دون أن أدري،
أنتَ بعيد، خطر لي أن أحادثك لكن بدلًا قررت أن أفتضح روحي لوجهٍ آخر أبعد،
ركضتُ نحو صندوق البريد، فتحت رسالةً جديدة، لفظت حديثًا تافهًا و اخترت إيميلًا عشوائيًا جهة الإرسال و أرسلت.
لا يهمّ، هل يقرأه؟ لا يهمّ .. المهم أنني قلت حديثي هذا دون خوف.
 
 
 
*
صندوقٌ قديم.. لم يعد الرد أبدًا
كان الحديث هباءً خفيف.
2007 
 
 
 
 
 
 
 

الأحد، 2 سبتمبر 2012

 

 

- تعودين مثل الصباحِ الوليدْ *



 
 
 
في القلب متسعٌ أكبرْ، انّه يحفظ كلّ شيء .. رغم فداحةِ الموت و كسل الحياة. أصغي جيدًا ربما ضيعتُ نبضكِ في جلباب
ذاكرتي، و لوهلة أصدّق أنكِ تغيبين .. لكنّك تكبرين كما العُمر، كوجهةٍ واحدة.
 
 
 
منهكة كعود ثقاب منطفئ، عظامك هزيلة و وجهك قاتم كليلٍ طويل، لا تقلقي مازلت أحبك و أظنك جميلة، و سأخطو المستحيل كي يعود وجهك صحنًا من فضة، و يداك وردتان متفتحتان بعنفوان، و الضحكة الخاملة الآن ستعود أكبر و بصوت عالٍ يسحب خلفه كلّ الطيور المهاجرة عن الوطن، انك الآن تغطين في سباتٍ عميق، يداك الشبيهتان بغصن شجرٍ ضعيف منكفئتان على بعض كما لو أنهما تحفظان قداسة خاصرتك و محيطها الدقيق، سارحتان في فراغ ردائك الأبيض و امتداده حتى ركبتيك الهشتين بحزن، شعرك مازال أسودًا يشبه حصانًا يافعًا يجرّ الرهان نحوه كل مرة، يشبه سنابل لا يفك قيدها الريح، انه مسرّح بفتنة، مأخوذ كله نحو كتفك الأيمن، جاثم بسلام ينتظر عرسًا، و كم تخيلت ان النجوم الآن تقرأ التعاويذ عليه علّها تنهمر من بؤر السماء نحوه، وجهك أيضًا مائل نحوه بانكسار كأنه يسترق السمع للّيل و الشهب فيه، أقيس المسافة بين ذقنك و كتفيك، ياه .. طويلة كتعب النخيل، كوقع انتظاري، كفرح كلمة الحب الأولى و حديث الأطفال عن اللعب و العيد، أمشي بأصابعي على عنقكِ البارد، أحاول بيأسٍ أن أصنع سحرًا، كأن أرسم قلب حبٍ أو نجم أو اسم الله فتعودين كالربيع، كنضارة أرواحنا حين نحزن، تعودين اليّ من بعد هذا الفقد و التعب و السفر الذي لم يحدد وجهته بعد، ترى بماذا تحلمين؟، احلمي بي .. لنلتقي في الحلم، اشتهي أن أقبّلك و أشعر بحسّك يرد على حديثنا الصامت هذا يخبرني أنه يحبني و أنه لا يريد ان ينقطع عني، و أنه سيعود .. سيعود لي كما ترجع الشهقة، كما يرجع الطين لبيته الأول و خلقته، كما ينساب الشجر للأرض يتذكر مولده الأول، كما نعود نصحو و نبكي و نحلم، كما تعود الشمس لدارها في السماء و تشرق في قلوبنا، كما تخبز الغيوم الأمنيات و تدثر النجوم بها، كما يرجع القمر بدرًا بعد انحسار وجهه، كما تعود كل الأشياء التي من المفترض عليها أن تعود، كما من المفترض أن تعودي إلي .. عودي اليّ.
هذه الغرفة باردة، تحمل رائحة الموت و ضوءًا يشبه حياةً بعيدة، هذه الغرفة لعينة .. لا تحمل معنىً واضح و لا كلمة تُلفظ كحقيقة واحدة، انها اشبه بكفن واسع، لكنه لا يلتف لا يغطينا، لا يميتنا كما يفترض و لا يسرّحنا من نفسه الثقيل الوقع، اننا محاصرون، عالقون بين معنى الموت و الحياة، انه لا يهدينا لأيّ منهما، و يبدو أن كلاهما - الموت و الحياة - لا يصارعان من أجل أن يتلقفانا، انني بكل حزن و خوف أتمنى حين يخطو أيّ منهما أن يبتلع كلانا، أن نعيش معًا .. أن نموت معًا، لا أنصاف أطراف، لا أنصاف حيوات، لا أنصاف عوالم، انني لا احتمل فكرة أن يظل أحدنا في ركنٍ بعيد عن الآخر .. هل تتصورين المأساة التي نعيشها، بين الشيئين الوحيدين المطلقين، بين الموت و الحياة، بين أشدّ الحقائق اتساعًا و ثبوتًا في هذا الكون، متعبٌ سفر هذا الطريق، انني أسحبكِ خلفي لكنك لا تتحركين، أحاول أن أتبع خطوكِ لكنّك مع كل خطوٍ تخلفين ضبابًا أكثر و أسوار صغيرة ..
 
 عالقٌ معك كالظل، كأثر الفراش، لا اريد ان اتشبث بعكس الاشياء التي تسيرين خلفها، استلقي بجانبك، آملًا أن يتسرب بعض من وجعك لي، او ان يطير الفرح الباقي في صدري نحوك، ( أن يتسرب بعض الموت لي، أو أن اعديكِ ببعض الحياة ) * ..
عودي، في صدري فوضى عميقة، و صرخاتٍ تدوي في أذني لا يسمعها أحد، ثقب طويل في صدري و ألف قصيدة تحتاج أن تتدخلي في بيوتها.
 
 


 
 
 
* الأوّل من سبتمبر 2006
بين يديك المنهكتين، ظلال شجر.
 

الأحد، 29 يوليو 2012

أول اللقا ..



-



تصعد الكلمات من صدري، تترنح، تثقب الرغبة و الانطفاء، تقف
على طرف اللسان، ما بين الهرب و الهاوية، لكنّ عيناك تهدهدان الحديث،
و يطلع مكركبًا، ممتلئًا بالخواء، بالخوف و الحبّ.
تقترب يقفز النبض منّي ليديك على شكل وردة، تضحك لأنّك تحبني أكثر.









في المقهى : لقاءٌ أول .. 

للتي تكتب فيصير قلبي بستان ياسمين و حقل تفّاح، للتي تغني فتطير القوافي لبيوت القصيدة
للتي تجلس أمامي في الطاولة البعيدة كإوزة رقيقة وحيدة يلاحقها القمر لتصير باليرينا، لكنه لا يقدر.
للتي تشرب القهوة بتأنٍ و البن أصلًا عيناها، للتي ينزلق السكّر من بين أصابعها النحيلة و يهبط فوق
أكواب الغرباء، للتي تنظر للملأ، تقتل بلحظها كلّ الوجوه التعيسة .. و الفرحة أيضًا.
للتي تؤشر بيديها و تهرب كلّ الفطائر اللذيذة نحوها و الكعكة التي أمضى خباز المقهى ليلتهُ في عجنها.
للتي أقرأها متجاهلًا كلّ الأشعار الشهيّة و الأخبار الرياضية المثيرة و عارضات الأزياء النحيلات في الجريدة.
لتي لم تلتفت لوجودي بعد، للتي أسحب من طاولة السيدة العجوز جانبي منديلًا خلسة لأكتب له فيها :

" انظري امامك، خلف هذا السمين الغارق في صحيفته، يقبع تنين قديم .. "، و النادلة الساهية ربما في جرحها القديم، أو حبّها المقبل، ربما تسترجع قصيدة قرأتها البارحة، أو شطرًا من أغنية الصباح، أناديها و اهمس لها جهرًا، علّها تفهم حاجتي الملّحة في أن يستطرد هذا المنديل كلّ جوارحك و يأتي بوجهكِ، على الأقل عيناك ناحيتي، تسير بالمنديل نحوك بعد موافقة سريعة، بل مبتهجة، و قبلها .. و قبلها يا حبيبتي قد همى قلبي إليك بعينين مغمضتين و شهيّة مفتوحة للحب.

تدسّ المنديل بين كفيكِ بحنان، تشير بعينيها نحوي .. لكنك لا تفهمين و تحوم عيناك بفتنة حول ملامحها لتقرأين خبرًا أكيد، أو حرفًا يُصمت حيرتك، تُدمدم بينما تمضي عنك لربما أغنية حبًّ أو جزء من ورق المنديل.

و تطوين المنديل عن قلبكِ، تأججين رهبةً في صدري، يصير المنديل بساطًا أبيض صغير فوق طاولتكِ القريبة، و تمررين بهدوء، بلطفِ بالغ أصابعك و تقرأين، تلوح دهشة، ربما استنفرتُ نبضًا و ألفْ، ربما سرت حرارةٌ في وجنتيك، تصارعين هدبيكِ الناعسين و تفرين من وجهِ الحيرة لصدر الفضول، لصدر الحقيقة القريبة، تطير عيناكَ لذاك السمين، لما وراء السمين، تُدلفين برأسك قليلًا، تموج شعرتان و أنت تميلين نحو التنين القديم، تبحثين .. تبحثين، و تتقتح ملامحك كغُربة، كوطن، كأغنية لاذعة، و خِرتُ أنا من قواي حين لاقتني عيناك.



لقاءٌ أول : من ناحية قلبي

فستان دانتيل خفيف و حذاء مُزهر كقلبي حين أسمع حديثه، شعري مستريحٍ كمطر، و يدايّ مقيدتان بسوارين نحيلين تخيلتُ كثيرًا لو أنه يُلبسني اياهما، لو أنّه يشدّ العالم و قلبه حين يطوقهما حول معصميّ، ثم يقبّل يدايْ.

متناسقة مع وحدتي بفستاني الخفيف و أطرافي العارية من زينة، نسيتُ مظلتي و أنا خارجة لكنني شعرت بالحريّة على ايّ حال و الشمس تمسحُ بأشعتها فوق كتفيّ و عنقي و الباقي من وجهي، و هذه المرة لأن اليوم سيكون لي وحدي اخترت الطريق الأطول، أمشي طويلًا و ألفظ كلّ الحديث الذي خفت أن أقوله يومًا للشوارع و الشجر و الوجوه المستعجلة، هذه الحياة تستحق أن نعيشها بتريثٍ.

فكرتُ فيه كثيرًا، بوجههِ، بيديهِ، ربما حلمتُ بصوته .. بالزهر الذي وعدني بأنه سيرسمه لي، و القصائد التي أحفظها له حلمتُ بها بصوته، بصوتِ رجل يحمل العالم في كفّ و سوار ياسمين في اليد الأخرى .. كيف يبدو رفيق المسا و الصباح، رفيق الحياة و الطريق و الحُلم و الغناء، رفيق كل الفرح و اليقين، كيف يبدو لو مرةً لاقيتهُ و بأيّ شكلٍ سأنمو في عينيه؟ و الكلام في صدري كيف سيهرول نحوه؟ كيف سألفظ قيد حديثي امام رفيق قلبي و الغياب.

وصلتُ للمقهى، وحيدة .. ، جلست في الطاولة الهادئة، المستكينة تحت ظلّ شجرةٍ ما عتيقة، في الطاولة التي تشتاق لبعثرة قلبي و حديثه المشوّش و الطويل، في الطاولة القريبة دومًا من بيوت الحيّ المجاور أتأملهم و حياتهم و التفاصيل التي لا يُلقون لها بال دومًا، أهرب من حياتي نحو أعمارهم، أتخيّل لو أنني الطفلة التي تحمم دميتها في الفناء الخارجي بعد أن تنام والدتها، أو الصبيّ اللطيف الذي يدهن سور الحديقة بالطلاء و الدهشة مع أبيه، أو الخادمة المُتعبة من طنين العائلة و الأحلام المشرعة فوق حبل الغسيل، أو الزوج الذي يأتي متأخرًا عن الغداء بسبب عمل أو خيانة، أو الجدّة العجوز التي تدور بصحنها الصغير المملوء بالكعك و تشاطر الجيران عجينة الحبّ و العمر الطويل، أو ربما شجرة التوت التي يتسلقها الأطفال كلّ يوم و تعجزهم أغصانها الرقيقة، و كثيرًا ما اشتهيت أن أكون الزهر المرصوف على جانبي الشارع وسط هذا الحي.

آتي هنا لأرتب فوضى العالم داخل عقلي بهدوء، للقهوة التي تسير ببطئ في دمي و توقظ الأفكار النائمة، لفطيرة التفاح التي أخبرني بأنّه يحبها، لرغبتي العميقة بمصادفتهِ ربما، للحريّة التي تزرعها فيني ظلال شجرة البلوط فوق رأسي، لضحكات العاملين هنا رغم الحياة الوحيدة خلفهم، لمكعبات السكر أصفف فيها أحلامي و لا أغمرها بكوبي، للمقعد الخالي أمامي أشاطره عقائدي و الطُرف التي لا أجرؤ على قولها لأحد أبدًا، للنصوص التي تلبس وجوه حولي أقطفها لمفكرتي الصغيرة، لكل هذا العالم الصغير المجتمع داخل مقهى لا يُميزه نصف سكان الكرة الأرضية، للعالم الذي لا تأبه الحياة به لو انقضى لو اختفى، .. تذكرت ! قرطا اللؤلؤ، تذكرت ذلك و أنا أفرك اذنيّ علني أصلُ لنبرة صوته، تذكرتُ أنني ألبسهما، قرطان لؤلؤ متدليّان كقمرين، كمشهديّ دخان، كبؤبؤ زهر، كوقع أمنيتانْ.

ماذا ننتظر يا ترى؟ ما الذي نطلبه حقًا من هذه الحياة .. نحن لا نطلبُ ثمن ما أخذته منّا، لأننا ندري سلفًا بأنّها لا ترد شيئًا مما فات، و لأننا سرًا نخشى ذلك، نخشى عودة فعلًا عودة ما مضى .. ماذا عن الستائر ألا تكره ذلك؟ تُزاح و تُسدل على حسب رغبة الأمكنة، الضوء، الجمهور، و المزاج الذي يهيمن غالبًا على تحركاتنا و خطونا العجول؟ الستائر رقيقة، الستائر قطعةٌ من قلب أم، خصوصًا تلك الشفّافة، تلك التي يفرّ الضوء خلالها بزهو، تلك التي ترقص كلما هبّ النسيم و سار في الفلك شراع، تلك الستائر تمنيتُ لو أطلقها في حال سبيلها تسدل و تُزاح أنّى رغبت و متى. كان ستار المقهى يسدّ ناظريّ الصغيرة في الداخل عن الاطفال المهرولين في الباحة، قريبًا من نافورة الأمنيات، تتمنى سرًا لو يخطو أحدهم تجاه النافورة و يُلقي نردًا من قلبه إلى القاع، تمنّت لو انها تشهد ولادة حلم، بزوغ امنية.

لا شيء، سوى الأفكار المختالة، و كوب القهوة المتعجلّ، الفطيرة التي هضمتُ نصفها، و نادلة تميل بشكل غريب نحو احدى الطاولات، ربما تحاول أن تلتقط طلب طفلٍ صغير أو سيدة عجوز، أو أنها تُغري شابًا لطيف، يجوز لكلّ الاحتمالات أن تكون صحيحة، و عليّ أن أترك الكلّ و شأنه، هل أنا سعيدة؟ انّه سؤالٌ غريب .. رغم أنّي أتجاهله، لا أسأله كثيرًا، الا أنني لم أدرك يومًا الدرب للاجابة عليه؟ لكنني لا أشكّ بأن الاجابة قد تأخذ شكل ايجاب، السعادة ليست فرع، السعادة أصل، رغبة سريّة و علنية و جماعية، السعادة خطّة و فكرة و حقيقة، الايمان بكونك سعيد كفيلٌ أحيانًا بسعادتك، تلك الكلمات، هذه التي تدور في رأسنا كالرصاص و لا تخرج، تلك التي تشوشّ عقولنا و تبني تعاستنا، لو أننا نلفظها كلّ هذه الأفكار السامة، " أنا حزين\ فاشل\ وحيد\ لا أستحق أن أعيش\ لا أقدر\ لا يمكنني\ الحياة سيّئة\ ... "، نحن نستسلم لفكرة التعاسة أشدّ من استسلامنا لفكرة ان نكون سعداء، تنقصنا المحاولة، انّه في كل مرة تنقصنا المحاولة.

تباغتني النادلة بمنديلٍ تدسّه بين كفيّ، انّها النادلة التي رسمتُ عليها احتمالات عديدة لتوّي، بنت من الدهشة بابًا واسع و مضت، ربما أشارت نحو شيءٍ ما بعينيها لكنني لم أفهم، وهذا المنديل؟ هل تخبرني فيه عن وقاحتي و أنا أنظر اليها قبل قليل، هذا كلّه غريب .. لا شيء يستدعي الشكّ و الاستغراب انّه مجرد منديل بامكاني ان أرميه دون الاطلاع عليه، لكن الفضول قد استوطن صوابعي، و هناك شيءٌ ما في صدري يساوم كي يجد الحقيقة، فردت المنديل و كأنما غيمة انزاحت، الخط أنيق و أتبعُ الحرف و الكلام و كل هذا الجنون، تنين! لا، هل يُمكن أن .. لا تكتمل الأفكار، و لا الحروف الهاربة من وسط حلقي، من وسط دهشتي، و أبحث، خلف السمين، خلف شعره الأشعث، و يميل رأسٌ من خلفه، ينتفض النبض و أخاف، أخاف لو ألقاه، أخاف لو ألفظ قلبي إن طلع لي وجههُ .. عيناه!









و للنساء دومًا حيّزٌ أوسع من الثرثرة و الأمنيات و العالم كلّه.
to be continued .. maybe.
:)
 








الجمعة، 22 يونيو 2012

رسالة كلّ صباح ..




-





تعدّين فطوركِ، تنضج الأرض، ينبت عصفورٌ من الشجرة الأخيرة في شارعنا - تلك الموسوم خلسةً في خصرها الخشبي، أوّل حرفٍ من اسمك -، تشرق شمسٌ من نافذة جارتنا العجوز، شمسٌ تشبه وجهكِ، تشبه غطرستي حين تهبّ نسائمك، تشبه خوفي حين أنسى كيف أكتبكِ .. تدسّين يديكِ بالطحين، تكبر غصون البراويز، تهرب ظلال الصّور كقطعٍ نرديةٍ صغيرة، يتلوّن الحائط بأيادي الأطفال المبللة بالزيت و الكعك و رائحة جونسونْ .. بينما تفرّ أصابعكِ من باب الثلاجة الهادئ تنصت القهوة لحزن الأباجورة، تهمس لها يد أمي " ضوء الشمس دومًا يكفي "، تُك و يموت الضوء كعتمة، يتراشق البنّ الطعم الأول، السحقة المفردة، الجذع الأصلي و الأيام التي نمى فيها تحت الثرى سعيدًا، كيف صرت قهوة؟ .. ترقصين بحماقة أمام تلاشي السكّر كغيمٍ في الشّاي، تنام أعينُ المغنيّة في مذياعي، كي يطلع صوتها حزينًا خائبًا، كالونّة الضعيفة، كيدٍ بلا رفيقٍ أو قلم، كحائطٍ لا يستند لثباته أحد، كالموج الذي لا يرجع للبحر مرًة أخرى .. تفتحين علبة البسكويت، يضيء وجه التلفاز، و خجلٌ أنا من التلفاز، ذاك الشاهد على غبائي، كسلي و كهولتي النشطة، الشاهد على فعالي السيئة و جواربي المطموسة توّها بزرع بيتك، واقفٌ كالأبله عند نافذة مطبخك الشهيّ، كالعدم، كالصرخة الواحدة لا تكسّر حيطان البئر العميق، واقفٌ أحفظ كلّ تفاصيلكِ، مقدار السكر في القهوة، لون الخبز في يديكِ و المقطع الذي تحفظينه من أغنية الصباح، أحفظ كلّ شيء و أشهدُ كلّ شيء إلّا وجهك الذي لا يشفي ظمأ النوافذ، و الحيطان العالقة وسط النوافذ، و الستائر المشنوقة بفتنة فوق النوافذ .. تخفقين بيضةً أخيرة، و أتذكر بلادة الوجوه العربية، قلوبهم الضعيفة، ركائزهم الضائعة، و الأناشيد التي تأتي دومًا دون معنى يهزّ الكسل و الهروب اللذان يجريان في معاقلنا، في أراضينا الدموية، في قراراتنا الهزيلة ..

تغنّي أمي للقطةِ التي أكرهها، و صوتي .. لم يعد يقظًا، صوتي الذي تعلّم كيف يعيد قوّته فوق الورق على شكل قافية، على شكل أحبّكِ تسرق الطريق لتهرب نحوكِ، صوتي الذي تعلّم كيف يرتب الوطن، العالم و كلّ نبراته التي لا يصل إليها على سطرٍ و آخر ..
صدري الفزع يتذكّر الأمن كجزءٍ مفقودٍ من النّص، فقدٌ ينبت في الآخر كدورةٍ متتالية من الموت الواحد داخل قلوبنا النابضة بعد كحياة، انّه صعبٌ أن تموت فيك الأشياء التي ولّدت كلّ معنى للحياة، صعبٌ أن تتسرب منك كضوءٍ يفضّ بكارة عتمة، تتسرب سريعًا كصوتٍ واحد، كريحٍ لا تقف، كنهرٍ لا يعيد نفسه، و عاجزٌ أنت عن البكاء، عن الحراك، عن المضيّ ..

ينفذّ الله منّا و فينا من كلّ صوب، لا يمكن لروحك أن تتصوّر جزءًا واحدًا من هذه الحياة الواسعة دون أن تبني للهِ وجودًا فيه، الله في كلّ شيء، في كل روحٍ و خطوٍ و فقد، و لذلك دومًا يدلّ السلام دربه لأرواحنا دون أن ندري، يميّزنا صدر الحبّ من بعيد، يتوّلد رفاقٌ و نهفو دون أن نسمع خطوِنا المتكسر، الله يُوجِد في قلوبنا كلّ شيء، كلّ معنى و شعور، نحن من عليه أن يدرك ما في الداخل، أن يؤكد الأصول المزروعة فيه، يلفظُ واحدًا و يحفظ آخر ..

أنتِ الآن تشربين القهوة، و تهتز حقول البنّ في العالم كلّه، و أصير دون تحفظٍ أو شكّ الكريمة المخفوقة في كوبكِ، و اللون المضيء الأخير من عمرك.


* يجيئكِ الكلام هرولة.











08:08 مساءً
22- يونيو - 2012
حركي شجنًا؟ لا أعرف كيف!

الجمعة، 8 يونيو 2012

لو أنه سطرٌ أخير.


















-

فرشت السجاد الذي اشترته لأمها .. شيءٌ ما ينقصه
يتبدل جلد النافذة مع حركة الشمس كل ثانية، حتى لا يحترق
تنمو قصة ما فوق المزهرية و تطاردها ساق الوردة كنهاية

عيناه توطدان العلاقة بقلبها، تبحثان جيدًا داخله لا شيء يشبهه
الكذبة التي ابتدعَتها لحظة سؤاله بما تفكرين
 كانت تفكر بوجه الممثل الفاتن تلك الليلة
 أجابته : لا أريد الرحيل مجددًا لهناك

كيف تبرر الحياة سيئاتها؟ كيف تتمدد ظلال الجشع فوق صدورنا بهدوء
كيف نسير بيد و ثانية دون أن ننحر و لو وجهًا واحدًا من وجوه الحياة

لأن المطر يبلل القلوب أيضًا، هربت عارية، بوجهٍ كوجوه العابرين
 أرادت أن يأكلها البلل، و ينساب وجهه من قلبها مع زخم المطر و جلبته

تصرفها الغبي أحيانًا، لتخفي غيرتها، فتقول له بابتسامة متخمة بالقهر :
 عاديٌ جدًا لو أُعجبت بها
 تفكر بضوء عينيهِ حين يتسلل خلسة لصدرها، و تنتابها غصّة
تحمل وجع الحبّ، و التفاتة الفقد الساهية، تخاف أن يطير مع الريح كريشة
لكنه بالنهاية يرجع، كأغنية قديمة، كرائحة اللعب، كالشهيق يرجع

يهرب كل شيء، إلى ما وراء عقولنا، يختبىء طويلًا، البعض يموت و البعض الآخر يخرج مشوهًا
كان علي أن أجلب الورق معي قبل أن أنام، يداي تشعران بالحرية أكثر حين أحلم


رده الساخط : لا شيء يعجبني سواك، ثم أنه لا شيء فاتن في تلك المغنية ذات الخمسة و الأربعين عامًا
معطفه الداكن، و كتابه الذي لا ينهي قراءته أبدًا، لأنه بين السطر و ما بعده يفكر بأصابعها النحيلة
يفكر بامتدادها العظيم في قلبه، و كيف أن قلبه ضئيل حين تعبره ضحكتها

الأرض، الأرض القوية، التي لا تنسى، و يظل التاريخ يكذب يظنها تنسى
ثابتة، ثابتة جدًا، لحدّ أن تضجر صدر السماء و تتمنى السماء لو أنّها سحابة باردة مثقلة ماتت على الأرض

تغني ريثما تعد حرارة الفرن، ينساب لحن من قلبها و يطوف حول يديه
 يتخيل لو أن قلبها بمقاس كفّه،  لو أن وسادته تكبر كي تضمّ وجهها صوب روحه

صوت أمٍ بعيدة، يعبر الأسوار، الرخام، الأحاديث الفارغة، يقف بمَلكتهِ، ببعده المنيع في حلمه على شكل أسطورة
لماذا الوقار يلحق بهنّ، كظلّ، كحقيقة ثابتة، كدعوة نبي، لماذا تبدو الحياة ضعيفة أمام الأمهات ..

كان بالإمكان أن تُبنى حقيقة ما، من العدم ..
 فقط لأنك شئت يومًا ذلك، لكنك تهتم بأفواه من حولك كثيرًا

تنزعج من وطأة صوته آخر الليل، إنه يشّل خططها، خطط النسيان و الهروب، إنه يقتل بغتة فكرة حياة جديدة
تمنّت لو أنها حكاية قديمة، تطريزة فوق مفرش دانتيل، تسجيلٌ لأغنية بصوت لا تعرفه ..
لو أنها تحدث ضجّة في ما حولها، دون أن يهتز لها طرف، دون أن تتأثر بكل الأشياء و تبكي آخر الليل

تنزلق الدنيا من أصابعنا - ريثما نطرق فوق شاشة الهاتف الرقيقة - و تعود كفرصة أخيرة
تنزلق الدنيا من أفواههم ريثما يصرخون صرخة أخيرة : ماما ، تثقب الرصاصة رؤسهم الصغيرة، و لا يعودون
مرت قصيدة، مثقلة بالبكاء و حديث الشام و قبعة دامية، سقطت القصيدة و لم يرفعها أحد

كتبت آخر السطر : نسيت الدنيا أن توزع الوفاء بالتساوي على قلوب الجميع، و لم أحظى بفائض لأزرعه فيك، وداعًا
و ردّ : ربما تعلمت شيئًا جديد، أنني أشبه الحياة أكثر من أي شيء آخر، أتخلى عن كل شيء كأن لم أنجبه يومًا
كتبت .. لكنها لم ترسل أبدًا لأنها تعهدت بأنها ستكتب سطرًا أخيرًا واحد
ربما انتظر طويلًا، ردًا أخيرًا آخرًا منها، ثم أغلق قلبه كورقٍ ضعيف

لا يوجد ثمة سطر أخير، لأن عقولنا مضرجة بالسطور و أشباه السطور، التي تنبت بعد كلّ سطرٍ على أنه الأخير
سألني صديق من أين تقطف الأفكار؟ و لست أدري بم أجبته؟ بم ملأت عقله؟ أظنّه وجد الإجابة تافهة
كتبت كاجابةٍ واثقة : " من الصمت، من العزلة، من أشد اللحظات عفوية و تأثيرًا في النفس، من محاولاتنا البائسة في كل شيء، و حين نكتب تتولد فجأة حياة أخرى تتشكل كفكرة .. في النهاية لا أعتقد أن الأفكار وفيّة لجذع ما، لجذر ما، لها منابت عديدة و ولادات عدّة من اماكن مختلفة في ذات اللحظة . "

فتحت قلبها، آخر الليل، بعد فكرة مجنونة تسربت خلسة لعقلها، علقتهُ طرف السجاد، هذا ما كان ينقصه !
تمرنت النافذة على أن تبقي جلدها رطبًا، بالتحديق للشمس بعينٍ جسورة
و الساق لم تعد تلاحق القصص، آمنت بأن البدايات البطيئة تورث نهايات مفزعة، و هي متشوقة لذلك
مر صباح على عجل، أتاها يسأل : هل كان ثمة سطر بعد الأخير ؟، تلونت فوق صدره و رسمت شيئًا يشبهه
كنتَ السطر الأخير جدًا


بصوت ضئيل سألت الأب الحكيم :
ممَ تحزن الشمس؟
من أنها لم تستطع بعد أن تحرقنا، أن تحرق الأرض المختالة، الأرض الثائرة، الملوثة
تمتمت ببلاهة :
نحن الملوثون، الأرض ساكن، الأرض جماد، و الشمس لا تؤذي أحد ..
نحن من يصوّر احقادنا بهيئة حزن لا صلة له بنا، بهيئة حزن ينتمي لمن هم سوانا
حتى نتملص من لطخة السوء، من وصمة الخبث، من فكرة أننا مليئين بالحقد و الجشع
نحن الأشياء السيئة، و نحن الأشياء الطيبة، و نحن من يقرر كل ذلك.





- يا لهذا الحديث الفارغ و الطويييل !

الاثنين، 7 مايو 2012

هل عاد حُلم؟




-







تطفو الأمنية، الآن في هذه اللحظة المتسربة خلسةً من الوقت ..
تطفو تتوغل أكثر بعيدًا في مدى الأفول، و تنقضي نسيًّا منسيًا، تعبر كما ريشةٍ ترنو بجفولٍ فوق نهرٍ تعيسْ !
أمنيتي الآن، تتعلق جيدًا بعنق الرحيل و تهطل نحو العدم.


ربما هي غصّة، انقباضة خفقة، اختناق أحاديث .. حين تسألني عن حلمي، ثم لا أجيبْ
كيف لي أن أعود من جديد، أبني حلمًا متوضبٌ متأهبٌ لكلّ حالٍ و زمان ..
كيف يبني أحدهم حلمًا ؟، كيف تدرك أنّ ما تفكر به الآن هو كلّ ما تريده، من الآن حتى ينبت حلمٌ آخر.
ما الذي يعبر صدرك فيؤكدّ لك، ريثما ترتدي قميصًا، تسير مبتسمًا بروحٍ مستقيمة فوق خطوط المشاة، تتناول عشاءً بيروتيّ،
تقفل الليل على قلبك، تطبع ورقًا، بأنّك تعيش حلمًا تشتاق لأنّ تعانقه.

مرّ حلمٌ قديم، تاه في صدري طويلًا .. سألته مددّا هل يكفي صدري لحُلم؟
و في كلّ مرةٍ يزهو يومي، بهِ .. أخبئه بعيدًا لأنني أخافْ، من أن تأكلهُ الدنيا
من أن تراه الدنيا ذروًا تافهًا فتبيعهُ .. كيف لي أن أثق بحلمي؟ كنت أسأل.
لكأنّه طفِق و راحَ مع الدنيا بعيدًا عن صدري، و كأنّه يومًا ما عبر.

" لا أحملُ الورد، أحمل طوق أحزاني .. "

يفور قلبي، لا يحتمل، يثريه صدى الذي فاتْ ..
لماذا لا تتركنا الأشياء الراحلة ؟
لماذا تفيق ذواكرنا ليلًا، في أشد أيّام الحنين، في أقبحِ الأحزان وطئًا ..
تتوقظ، تزفر جوًى في صدورنا، تخبرنا بأنّا نحن من ترك ما عبر، بأنّا نحن من مضى و الأشياء واقفة.



أشتهي أن آتي بنصٍ طويل، أن تطل النصوص اللاهثة خارج صدري ..
لكنّ قلبي يتخاذل، مزدحمٌ بالخواء، رغم الحديث الكثير و الأصوات التي لا تهدأ.
و أسكُتْ.


مرّ على عجلْ، دون أن يعني شيئًا، دون أن يستحق عبورْ
لكنه أتى .. بفجرِ يومٍ رتيبْ !


و صباحكم خير، :)

الخميس، 12 أبريل 2012

تطلّ من قلبي، - زهرَ الشباكْ !





-


السماء تعطينـا كلّ يومٍ دون أن نشعر .. شمسًا و ليلْ، غيمٌ يتعثر بهفواتنـا و نجمٌ ينثقبْ من أمنياتنا العابرة !
و تأخذ أنت مني كلّ يوم، و أنا أشعر .. أشعر و لا أقول شيئًا سوى البكاء !


تنسـابُ بين كفوفي حرفًا تائه أجهضتُه قصيدة، و أنا أدري بأنّك في قلبي أصلٌ عميق و مدًى و جذور، تتراشق تعبي و مضنايْ، تُمسك بخاصرتي آخر الليل تراقصني، تُلهيني عن سخطي و عتبي، و حنيني الذي يسرق كلّ يومٍ من السماء غيمةً ليطفو بعيدًا عنّي، تتكلمُ عن الموسيقى و الجمال و عينيّ و حرفي و دفتري الذي لا أطلعكَ إيّاهُ أبدًا، آكل الصمت و يأكلني، يزداد طقسي ربيعًا و جمالي طولًا حين أُلقي بأذني عند عتبةِ صوتكَ الرخيم، و الهدهد الذي يقتطع السوء من لسانكَ فتبدو كلّ الأشياء حين تقولها رزينة و عميقة تتأصّل فيّ و تربطني عند كتفيك بحبلٍ سريّ و عباراتُ بقاء .. و دومًا أنتَ القطع الآثمة التي لفظها الفرنسيون و الألمان و الأوربيّون الورديون من متاحفهم الثرية لتعلقَ في قلبي كالأكنّة، دومًا انتَ العباراتُ المسيئة التي تُحذف من القصائد و الأغاني و الخطابات، لتتسرب في لساني و تلبسَ حرفي ..

أعدُّكَ كما أعدُّ بلاط الأرضية في غرفتي، في صالون منزلي، في طريقي و أنا امشي بقلبي إليكْ، و سرعان أحصدك، تنتهي أصابعي من دوراتها العشرية سريعًا، و في كل مرةٍ تقلّ عشرًا، فيتزاحم قلبي، يفور بالشجن، يؤرق صدري و عظامي و أصابعي التي تبني أحلامها على الورقْ .. دفءٌ يسرق منّي عمرًا حين ترتاح بين يديّ، و أصابعك كسرات عودٍ تلوّح فتخدر صدري، أحاول ان ازرعني بين شيبك، في الخطوط المتفرغة من رأسك، أرسمني حورية، فراشة سكنت غابة، أكتب باصبعي الضعيف آيةً، أتلوها و ألفظ دعاء، أنزع من جيد السماء نجمة، أخبئها بين ثنايا خصلٍ سوداء قليلة أخادعها بأنك السماء و الوطن، أفرّغ فيها أمنية للزمن البعيد، للأمل الخافت، للسماء التي تهمس سرًا، و القمر الذي لم تعد تغريه الغيمات، أسأل نفسي كثيرَا .. " كم نجمةٍ يا ترى ولجت وضاءةً و قبّلت حلمك؟ " ..

تتمرن يداك على كتفِ الصحيفة، تغازل عيناك أخبارها خلسة، تتثاؤب يدك اليمنى بغتةً حول كوب القهوة، تشد أواصر الخمس حوله، يلتحمان كالظّلينِ، كموجاتِ راديو، كجديلةِ سمراءْ، كالماءِ فوق طهر أمّي .. ريقكَ و القهوة.















شِي ما إلو دخِل : 

Titanic ..
و في كل مرةٍ أبكي كما المرة الأولى ..
نزل منّه نسخة الـ 3دي في سينما الكويت، الفيلم بلا شك لا يوصف
و الـ 3دي زاد التأثيرات عمق !
تشوف الفلم كأنّه توه منزلينه، كأنّه للمرة الأولـى !! ماشاءالله هالأجانبْ ..
دخلت من جم يوم عاليوتيوب و بحثت في titanic filming
حدّه مأثر فيني عقب ما رحتله :( .. تقريبًا الأغنية لحد الآن عالقة في بالي
أسمعها و أسترجع مشاهد الفيلم و تخنقني العبرة !
شاهدت في اليوتيوب كذا فيديو عن كيفية تم تصوير الفلم و المتاعب الي واجهوها في تصوير الفلم .. الخ!
كل شيء كان عبارة عن مجسماات بداية بالتيتانيك و التصميم الداخلي لها و الأحداث ..!
تعبوا نفسهم، في بناء واجهة وحدة من السفينة لتصوير مشهد بداية الرحلة و الناس الّي تودع الركاب على متن التايتنكْ ..
و مجسم صغير للسفينة بعد الغرق، وضعوه بالمقلوب، اضاءات متحركة و شوية تأثيرات، حتى يبدو المشهد كأنه غواصات
تحت الماء لحظة اكتشافها للسفينة تايتنك و اهي غرقانة طبعًا !
استديو غرفة بطلة الفيلم " روز "، باب صالة الحفل .. و البقية كلها لقطات من اماكن متفرغة دُمجت لتصبح جزء من سفينة التايتنك ..
كلها تأثيراتْ، قصّ و لزق، فوتوشوبينقْ،  مؤثرات صوتية و فن في الاخراج .. باختصار لو تشوفه بعد 10 سنين راح تحسّ انه شي فعلَا حدث ! :)
المحبط في الموضوع انّه اغلب التصوير كان في حوض سباحة كبير !  محبط بالنسبة للممثلين أقصد ..
طول الوقت اهي بحوض سباحة دافي و تمثل .. مو ممتع صح !!
و هذا أكيد دليل على براعة الممثلين و دقة ادائهم ..

للّي ما شاف تايتنك 3دي، ممتع  مشوّق ومؤثر لأقصى درجة .. و دعوة للبكاء أيضًا !
الغريب في الموضوع انّي يوم خلص الفيلم، قعدت أطلل بويوه الوادم بجّوا و لا لأ ..
معقولة بس أنا الّي بجيت؟ و الناس منصدمة من ويهي و عيوني المتفخة ؟ ليش خليتوني بروحي :( !







الخميس
5:55 مساءً
12- أبريل - 2012
Have a nice weekend folks



حقوق مُلكيّة :
الصورة في الـ post ، للرقيقة " Reem "
@reemself
(f)

الجمعة، 30 مارس 2012

نبضٌ و عمرْ ..



- 

 هل يسمعكَ أحدْ، في عالمكَ الذي تغيبُ فيه الآن ؟

 
الدرب طويلْ، و وجوهنـا تنخلعُ كلّ يوم و أصواتنـا لم تعد كافيّة ليسمعنـا أحدهُم فيعبر معنا لو نصف طريق !
للياسمين و شجرة الزيتونْ بيت و أصلٌ و جذوعْ، هنا عميقًا .. انظر داخل قلبكَ يا صديقْ ..
و أومنُ يا صديق بأن الجذع لا ينسى أبدًا أرضه، لا ينسى أمّه، لا ينسى جذوره التي تحملهُ لعمر لا  تُدرك مداه 
 دون أن تفقد الايمان دون أن تنسى كيف تبتلع الحياة من لبّ الأرض لتبقى أنتَ حيًّا ..
يمكننا جميعًا أن نكبرَ أصدقاء و رجالًا و نسـاءْ .. لكن ليس بالضرورةِ أن نغدوَ فعلًا أصدقاء و رجال و نساءْ،
أن نصيرَ كمعنـى أن نكون أصدقاء أو رجال أو نساء، يجوز غالبًا أن نصبح نصف أصدقاء، أشباه رجالْ، و بقايا نسوة !

لكن معكَ يا صديقْ، يضجّ الكون و ينثر من رأسهِ حلمًا، تسألني لمَ قد أذكركَ الآن يا صديق؟
لم اكتبكَ سطرًا تلو الآخر؟ هل انت فعلًا صديق .. ؟ و يصمت قلبكَ طويلًا، انّك تخشى السؤال، تجهل معنى الجوابْ ..
و لا تُدرك أنّك الصديقْ الذي يحملني في بطنه حين يلفظني الكونْ و يعصي حقي و يُدجّن قلبي، أنّك الصديق الذي يتلوني بشغفٍ في دعاءهِ، في صلاتهِ، في المطر، في شربة زمزمْ .. أنّك الصديق الذي يسهر صوتهُ كي لا يُصيبني الفزعْ من رحيل الأمنياتْ ، من سفرها، من ولوجها العميق داخل نحر السماء للمدى السحيقْ، صوتكَ الذي يخضب صدري بالسنا و غيومٍ تزهر ضحكًا .. أنّك الصديق الذي تعرفني أمّه و تحفظ خطّي و تعدّ بشهيّة وجبتي المفضلة و تضمني بشراعيها الوقورينِ حين تعرّيني ثقوب السماء من وهني، من تلاحمي الهشيمْ ..

أنتَ رأس الشهامة، يدُ الإيمان و أصواتٌ ضائعة في الفلاة تحصدُ وردًا ضاع عطرهُ في الصدى منتحلًا روح نجمة !
أنت قلبُ نبيّ جاورَ الجرحَ و نمت فوق صدره ألفَ طعنة نكرانْ و مضى في الطريقْ يدعو إنمّا جئتكمْ للقلوب نذيرْ ..
أنتَ روح أبي حين يصلي، و وجهُ أمّي حين تدعو، و قلب أختي حين تنامْ، و صوت رضيعٍ يغفو كملاكٍ بحضنِ جدّي ..
أنت الشهقات المتواطئة ضدّ الوجعْ و السماء العاريةِ من فرحْ، الزفراتُ التي تثقب صدر الغفى و تُحيل حرقةً لطيبٍ
و تذروهْ كالجوى في قلبِ عاشقٍ مريدْ ..
أنتَ الأصل الذي لا يعيثُ سوءًا و القصة التي تنتهي دومًا لجنّة، و الجسد الذي تشتهيهُ الأرض أن يصلّي، أن يقبّل وجهها ..
أنت كل الأشياء التي لا يتحدث عنها احد لأنها نبيلةٌ كفايّة لأن تلثمُ عنهم وجعًا و تُطفىء حرفًا !
أنتَ العفوْ، و كلّ كلمات الشكرِ التي تنفسّ بها العالمْ








* تعالَ أضمّ قلبكَ لوقتٍ طويلْ، قلبكَ المُتعبْ من طنينِ الأجهزة
و بياض الأسّرةِ التي تسّرب منهُ الحياة ..
تعالْ، لم أكُن صديقًا بما يلزم .. تعالْ 

04:06 فجرًا
31/3/2012

الخميس، 1 مارس 2012

جئتُكِ رفاتُ وقتْ ..












أنا لم أقصد أن أجيءَ متأخرًا .. الزمن شاخَ فوق ركبتيّ كان عليّ أن أحملهُ لوقتٍ طويل، كان ثقيلًا و صرت متعبًا مع الأيام، فكنت آخذ ألفَ راحةٍ و راحة طوال مسيري، يئنّ الوقت و أحاول الاسراعْ لكنّ الطريق الخالي من الدقائق و الساعات صعبٌ جدًا و مديدٌ جدًا و فارغ لأبعد مما يتصورهُ خيالك الرقيقْ، تمنيتُ لو أنّ أمنحهُ بعضًا من عمري ليتشبب و لأصلكِ أسرع، لكنّ الوقت وقتْ ..
 عنيدٌ نزيهْ لا يرضى ببيعٍ أو شراء انّه فقط يُفنى مددًا مددًا نحو الأفول و الغياب، ما يمضي منه يمضي و أملُنا في اﻵت .. أنا آسفٌ لأنّي سأسألكِ صبرًا أكثرْ، و أن تمتطي الانتظار إلى أن تبلغ علّتي منتهاها و أصلُكِ ..

أ تدرين فكرتُ و أنا أسير منكبّ الوجهِ عاقدَ الحاجبين من هولِ التعب، ثقل الوقت و امضاءهِ في المشيخ على ركبتيّ كتفيّ و عينيّ، ظننتني لن ألقاكِ أبدًا، ظننتُ بأنّ الوقت سيغدو بغتةً حلبة احتضار و يصارعَ جسدي و عضلي المفتول كي يسرق منه، من جهدهِ و حلمهِ و لحمهِ و حتى العظم، يتحامل ضدي بعد هذا الدرب السقيم لينهبني نَفَسي كي يعيش و يكمل المسير، يصلكِ و يخبركِ أنّ الوقت انتهى و أنّي ما أتيتْ، لكنني حاولتْ .. بخوفٍ خبئتُ نوايايّ خشيةَ أن تَصدُق ظنوني فأخسر عمري أمام الوقت، أ تذكرين كنا نتحدثُ كثيرًا عن الوقت، لكن .. أنا أبدًا أبدًا لم أتصورهُ بهذا العِظم و الكِبر و أنَفَتهِ التي أثقلت منكبيّ، أ يعقل أن يشكل هذا الشيء كلّ حياتنا دون أن نحسّ بثقلهِ فوق رؤوسنا، جَنبنا، و تحت ألسنتنا، نتأخر، نتعجّل دون أن نشعر بجنحهِ الهائل فوق جباهنا الغير آبهةِ به، بل بالعمرْ.. أوليس العمر وقتًا ؟

الوقت يهطل على جسدي المنهكِ كالجثّة الهامدة، أكاد أرى كلّ لحظةٍ ضيعتها أمام غضبٍ تافه، و الهربُ الذي مارستهُ كثيرًا، غرورنا و كبريائنا الذي جرّدنا من نعمٍ كثيرة، و جرّدني منكِ أنتِ !، كنت أرى نفسي حين أضعتُ الوقت في تخيّل لقاءنا و حوارنا و وجهكِ الجميل، دون أن أهرعَ صوب بابك و أخبئك جوار رأسي لعمرٍ مديدْ، و فكرتُ أيضًا كيف التقينا و كيف أنّ الدنيا أحيانًا تزاحمُ الناس في صدورِ بعضها البعض، تضيق الفُسحة عليهم، ليدركوا فيما بعد أنّهم تصادموا بأرواحهم الضائعة، و التقت الأوطان في أكفهّم المتشابكة، لتتركهم كما السنبل المغناج المتكىءِ على عبراتِ نسيم ..

 لا أدري هل مضى دهرٌ أم أجّل .. لكن ها أنا هنا ألّا ترينْ، بعضٌ من فتاتِ وقتٍ انتحل عمري سهوًا و ألقاني بيديكِ الصغيرتينْ، شيءٌ من رفاتِ الوقت سارَ دون قصدٍ بين أكفّي و تسرب بين أظافري ليقودني إليكِ .. عناءٌ طويلْ مرّ بي حبيبتي، لا تسألي كثيرًا، ضميني فقطْ، أحتاجُ أن أنسلخَ من رائحةِ الوقت قليلًا، حوطيني بشراعيكِ الطهورينِ و انسيني لا أدري لأيّ مدىً من الوقتْ، نسيتُ كيف أعدّ، شيءٌ واحد وعدتُ بأن أتذكرهُ حين ألقاك و بعد أن أنتشي في وسطكِ الغائر الدافىء " ضع باعتبارك دائمًا أنّه بقيَ من الوقت ساعة !" .. لو أنها ثوانٍ، فيها أنا مدفونٌ بغمرتك، فلتأتي و تذهبْ و تُفنى و تموتْ، المهم أن لا تزال هناكَ طاولاتُ شاغرة لأوطاننا النائمةِ فوق أكفنّا المتشابكة .












* مستوحاة من وضعي .. حينما كنت جالسـة في الصالة،
أنطر صديقتي أن تقلني من البيتْ لنذهب سويًّا للجامعة،
 خدمـة البلاك بيري كانت طافيـة و كنت أنطر ! ..
 كان الوضعُ مملًا حيثُ رحتُ أعدّ الوقتْ ..
دائمًا حينما أمرّ بوضعٍ كهذا أدخل للـ" نوتزْ "
 أدش أقرى الّي كاتبته أو أكتبْ شي خرابيط مني مناك أوخر الملل ..
هالمرة دخلت على " النوتز " اتجهت مباشرة لـ " new memo "
 و بدأت أكتب للمرة الأولى منذ زمن باسترسال دون توقفْ
دون أتمهل لحظاتٍ لأفكر بأي حرفٍ أبدأ و ايّ كلمة تتماشى مع قافية النص أكثر،
 كتبتهُ و حفظتهُ حتى دون أن اراجعه !
لا أدري ما الذي كنت أعنيه حين كتبت، لكنهُ أتى باندفاعْ، أتى من الداخلْ ..
 أشياء كهذه تُذهل و تُفزع بذات الوقت !

- يوم الثلاثاء 28 فبرابر 2012، الساعة السابعة و " شيْ " :)