الخميس، 1 مارس 2012

ضاعَ اسمُ الأغنية !










لمـاذا عليّ أن ألتقيكْ، وأدركَ حجمك داخلي، و أنّ الشوقَ كان هائجٌ كـ صهير يتنهدّ أخمصَ بركانٍ شاهقٍ دون أن أحسّه !؟  لمـاذا عليّ أن ألتقيكْ، ثمّ يقولها قلبي تباعًا دون أن يهدأ " أحبّهُ جدًا .. "، و أنّي بكل كيانٍ و روحٍ أعيشُكْ !؟

صوتكَ من أعلى رأسي يهطلْ كـ فراشٍ شقّ لتوه شرنقته، شقّ بهدوءٍ قبر ولادته، انطلق نحو الدنيا الواسعة، يكسّر أحلامَ الطيورْ و ينفض الغبار عن بسمةَ طفلٍ فتعودْ، يتثنى فوق خُصيلاتِ جميلة، يتلوّن حول جدائلها، يُثير رغبةَ أمٍ بأن تلحقها، بأن تعود كما اطفالها، يوسّعُ المسافات بين خيبةٍ و خواءْ و يتركُ تفاصيل كثيرةٍ تُغري بالحياة، و النسيم العابر كـ قوسِ قزحٍ كرتونيّ يستأنسُ فوق أهازيجهِ ينطربُ يتحررْ، يستسلمُ لرقصة الحياة بغنجٍ و يُفني عبراتهُا بين جناحيه كـ كفيّ عجوزٍ تقرأُ قرآنـًا بخشوعْ، يتوسدُ أحاديث المارة يُغريهم يُفرحهم يُثنيهم من حديثٍ قد يُثري وجعْ، و ليلًا يجدّل رموشَ صغيرة ينزفُ قصصًا وردية يخيط قلبها بخيطٍ رقيقْ كصوابعها الطريّة، و يبني ثورةً من فرحْ بعيدًا عميقًا في كفّها يُخبئها للزمن الطويلْ، يزور قبور الأمهات، الآباء الطيبين و الشهداء الذين أكلهُم التراب بفخرٍ بفرحْ، و ثارت السماء بهجة حين ساروا إليهمْ و حزن الوطن عليهُم بعدما فنّدهُم، كفراشٍ صوتكَ يهطل من أعلى رأسي، يغيّم عينايّ و يملؤُ ثغريّ اتساعًا كـ فوجِ خمائل يتبخترْ، يهطل ليصّل قلبي سريعًا ينبت فيه زوابعَ ذكرى و أرضٌ خصبـة تحبّ جذور الياسمين و الزيتونِ و المانجو، يصل قلبي فيزهر لونًا لا أعرفُ طعمه، و توتًا يشبهُ رمان، صوتكَ بعيد يشبهُ فراشْ !


- تلك الأغنية التي ترددينها
محاولًا تذكرها : آ .. هم.. فا، ما اسمها بسرعة ؟!
- لماذا ؟
- كان لحنها جميلًا و صوتها من تغني فاتنًا

بدى و كأنهُ قد هامَ بصوتها، شعرتُ برغبةٍ بالبكاء لكنني ضحكتْ ليس من المعقول أن أبكي لأنهُ امتدح صوتها
و يسألني فأقول انّي أغار .. ثم ماذا؟ ليس عليه أن يكترث لو كنت أغار، ليس عليه أن ينتبه لما يقولْ و يخاف لو أنه امتدح احداهنّ بعفويّة تامة، لأنّه لا يدين لي بشيء، لا يدين لي بقلبه أو شعورهِ أو حتى وقتـه .. و أنا التي تستفرغُ كلّ طاقاتها لتخبىء بضعًا من الساعات الطويلة فتقضيها معه، التي تحبّهُ و دون قصد تتسعُ عيناها فرحًا و تتراقصُ وجنتاها كلّما أقبل وجههُ الأسمر
- ما المُضحك في الأمر ؟

و ابتسامةٌ شبهُ غائبة تميلُ نحو الغمازة اليسرى و تقتلني يا صديقْ و تُغيّبني لعالمي الصغير الذي يضمني و يحتويكْ، كيف لي أن لا أُشدهْ أن لا اضيع في الردهةِ المثيرة في خدّك الأيسرْ، أن لا أنسى كلّ الكون و أتجول بها ريثما تتلاشى شيئًا فـ شيئًا، و أنتبهُ فجأةً لصوتي الغائب و عيناي المنصرمتان نحو وجهكَ الدافئ و قلبي الذي تأمّل نبضهُ تحسسّ دمّهُ، و أنت مازلت تتامل صفني و عيناكْ تدعو الله بأن أجيب ما اسم الأغنية !
- نسيتْ ..

هاهْ؟ نسيت؟ لا نسيتْ .. نسيتُ أنّ الكون مازال يدورْ كفستانٍ مرحْ .. نسيتُ أصوات الغناء التي أطربتني، التي تشدني كلما سمعتها أكثر إليكْ، تطيرني نحو سماءكْ أطالعكْ أصير غيمة أذرف فرحًا حول هدبكْ و أموتُ عند خديّكْ، نسيتها و لا أشتهي أن اذكرها و صوتها الفاتن الذي دللتهُ فغِرتُ أنا ..
- لأسمعكَ إياها بصوتي
- ههْ، حقًا ؟

كنتَ جميلًا، لكنّك لم تكن تنظرُ نحوي، كنت تطالع العالم الكبير خلف الشاشة الصغيرة، تطبعُ أشياءً لربما كلمات الأغنية، تتسلقُ لتصل صوتها، صوتي أجمل .. اسمعني، انظُر إلي، أنصت لنبضي، فقيرٌ جدًا نبضي .. و أنتَ بعيد كقربكِ بعيد .. لا يصّح أبدًا أن تقول فتاةٌ ما لشابٍ أنّها تحبّه، لأنهم دومًا يهربونْ .. أنظرُ إليكْ و أدري بأنّك لن تبقى، ستفعل كما يفعلونْ ستهربُ لأشياءٍ أخرى، لعالم يبعدني مسافات كالتّي بين قلبكَ و قلبي " طوييلـة " .. لم تكترث، و أنا بقيتُ معلقةً لمدة أمامك، و بعنقي وسط حنجرتي تتشابك الكلمات تهيّج أوتاري " غنّي غنّي "، أفتحُ ثغري، " آ " و أتردد، أتراجعْ و أحبسُ الصوت في مدايَ الوحيد المليءِ بكْ، يصعدُ منّ عنقي يختنقُ بيّ الهواءْ يذرفني، أشكّلُ دمعة، و أغادر .. لم أودعك، أكرهُ الخيبةِ التي تلتبسني حين أفعل، ليس أنني أكرهُ وداعكْ مع أنهُ يخنقني، لكن هي حين تقولها " وداعًا " بكل برودٍ، برتابةٍ، و عيناكَ ناعستان " وداعًا "، و أغضبْ لأنّ الأمرَ سيانْ خيبةُ توديعكْ و وجعِ رحيلي دون اكتراثكْ أو حتى انتباهكْ .. بأنّي رحلتْ دون " وداعًا " ..
- ان شاءالله ما تلقى الأغنيّة !!
بقلبي قلتها بغضبْ ثمّ ضحكتْ، لأنّي أحبّك لحد أن أكرهك و لا أزال أحبّك .. أيّ جنون !


دعني أنسـى، أبتعد .. أنسى أن أتذكرك .. أو أنسى أن أنساكْ، المهم أن لا ألتقيكْ
لأنني ان فعلت . سأعود لذات الشهقةِ و اللهفةِ و كلّ شيء !
















 شيءٌ من بعيد :
* دعنا من حديث الأغنياتْ .. و القهوةِ و رفقةِ المطرْ ..
قُل لي ما ذنبُ أوطاننا الثائرة أن تُدفن للأبد تحت رمال الصبيّة السيئة ؟
- مو للأبـد .. \ - متى عيّل نسمع الأصوات عدل، متى تصفى الأذاني ..
 \ - ريثمـا تتدلى السنونُ الصغيرة من أفواه الرضّع و المواليد تكبرُ الثورة كما المقبرة كلّ يومْ ..
 \ - قهوة ؟ .. \ - بل شايْ !

هناك تعليقان (2):

  1. " صوتي أجمل .. اسمعني، انظُر إلي، أنصت لنبضي، فقيرٌ جدًا نبضي .. "

    باريس الجميلة والحزينة تتشكل في رأسي .. مع كل حرف .
    عذب وشاعري وفقير ... نبضك .

    ردحذف
  2. - أشد حزنًا هي - الأشياء الجميلة - حين نمّر بها بصوابعنا العشر و عيوننا التي تشتهي الأشياء الجديدة

    شكرًا بدر :)

    ردحذف