الاثنين، 30 يناير 2012

لـ قلبِكَ وحدهُ أقول : أنت الصديقْ !








- مرسى، خيطٌ و حديثْ ..



" الدنيـا راحلة، لم اليأسُ يـا صديقْ "
لـو أنها كـانت أخفّ، أسلسُ من أن تبلعَ على مضضٍ و عتبْ
لـو انها كانت أكذب من أن تصدق..
قلتها و ظلّ صوتك حين قُلتها يترنّم في قلبي لم ينَم !
و أنا صديقكُ الذي ظلّ يسترك، لثمتَ عنّي الحقيقةِ

لو انّك فقـط لملمتَ التعب و نثرتهُ في حضنـي، لو أنّك قررتَ أن تبدو وقحًا ..
أو على الأقل لو علمتني أن أكرهك، أن أضحك يوم غيابكْ ..
لكنكَ قاومت رغبة الانطفـاء، و شئت أن تثير شيئًا من وجعْ،
هل كنت تفكر بالانتقـام اذن؟ أنّك تحملتنـي طوال هذه السنين؟
و الآن ربمـا جاء دوري، لأحمل وجعي فوقهُ وجعك و أرقصُ اثرَ يأسٍ و اغترابْ !

آه، لمـاذا؟ لماذا لم تتركَ أيّ مجالٍ للاجابة أو حتى سؤالٍ صغير يندس بخفةٍ بين أصابعي حين أبكي؟
لمـاذا وسمتَ روحكَ فيّ و بكل شيءٍ حولـي، و أنت تدري أنّي كسول أكرهُ الاغتسـال؟
لماذا قررتَ أن تتعاهد مع الوقتِ و المكان و الجمادات و خطاباتِ يوم الجمعة، لأن تذكرني فيك؟
لماذا لست معي الآن ؟ لـ ترى كيف أنّ البكاء صعبًا حين لا يُجدي و لا يُغيث سوى الألم؟

كيف أنه حين تبقى الحقيقةُ شمطاءٌ ثابتة ..
 " Cry honey cry, nothing on this world will drag me back "
و أنني حين أخبئُ الدمع فيّ أختنق .. و الذكرياتُ الآن بكل رحابةٍ صدر أقولها : رياحٌ موسميةٌ أبدية !

أ وَ تظن؟ تلك الأشياء التي علمتني اياها ؟ حقًا ؟ سـ تؤازرني في مصيبةٍ كهذه؟ آه أرحتَ قلبي .. سـ أنتظر
لكن ماذا عن جزء البكاء؟ عن تلك الأيام العصيبة التي سأصحو فيها على وجعٍ و أنامُ عليه بذات الوجهِ و التعابير
و البلاهةِ و الصفنِ و الابتلاء و السُكر و التلاشي و النحيب و الوحدة و الحنين و و كل الأشياء التي سأمارسها دونك ..

تبًا كيف تجرؤ؟ ان تمارس الغياب دون صاحبك؟ تجربةٌ أخرى دوني .. خائن !

كيفَ لأولئكِ أن يتكهنّوا، أن يتأكدوا من شيءٍ مـا لدرجةِ أن يصمتوا عن كلّ شيءٍ
غيره، لا بل و يوصمـونهُ في قلبكِ كـ تأكيدٍ على هبوبهِ و اندفاعِ ريحه ..
كنتَ مدركًا .. و " سِبتني فـ عمايَ "، و عشت حياتكَ على أصولها كـ احتفاءٍ بـ اتيان الموتْ
و لم أدري، و الآن أنت في نظري خائنٌ و أحبّك و لا يسعني سوى أن اجهشَ بالبكاء لأني ضعيف !
كنتُ غاضبًا منك، و لا زلت حمقا أحملكَ في وجهي، و أنثركَ ملامحًا تتوسدُ
وجه الأمـاكن، الوسائد، الأشيـاء و الأجسـاد التي سلمنّا عليها، و أتقابلُ و الذاكرة
في ليلةٍ هادئة منكَ تمامًا .. و أبكـي لوحدي دون صوتكَ الذي يصـرّ على كتفي
" لم تعُد طفلًا، دعِ البكـاء لي .. اشتقتُ لأن أبكي، هات الدموع " و تضحـك،
و لا يسعني سوى أن أضمّ يداك الفاضلـة، و أودّع الليلِ الطويل بـ ابتسامةِ خيبةٍ
ترضي غرورَ سمّوه و انبلاجِ قمـره، و كي أهدّأ من حزنك عليّ حين أحزن يا صديقْ !
و الليلُ الآن يسـري دونكَ و دون مواعظكَ السخيفة و أعمالكَ البطوليّة .. دون وجهكِ
الذي يضحك رغم قسـاوة الصرير الآتـي من أعمـاقنـا، رغم أحزاننـا المتهالكةِ جبلًا
يهشّ رياحْ .. دونكَ  يا صاحبي الذي مـا خذلتني كفّه يومًا و لا أبعدتَ عن دربي جيادَ نوركْ ..

لو أنني كنت مختلفًا، هل كنت لـ تصبح صديقي؟
هل كنت لـ تجلس جنبي ذات عبثٍ و تتحدث عن سرٍ تافهٍ
و ترانـي أبادلكَ ذات التفاهـة، فـ تنخرطُ أكثر و نصبح صديقينْ ؟
لو أنني كنت أسيرُ و برجلينِ سليمتين تمامًا و أركضُ كما الأطفالُ
 الحفاة يومَ الخميس في الباحة الطينيةِ خلف منزلي،هل كنت ستُكمل حديثك معي
 و تضحك و تدعونـي لقهوةٍ و نصبح صديقين ؟

و بكيت لأنّي تمنيتُ لو سألتكَ و أجبت بـ لا ما كنت لأصبح صديقك !
لـ أكرهُك و لا أبكيكَ الآن، لكنِ الذنب يا صديقي أنّك كنت الصديق
و كنت الطيف الذي اتسّع الجميع و الروح التي أحبت كل شيء و حملت كل شيء ..
أتـساءُل أيّ حياةٍ كنت سـ أعيشها و أيّ وجعٍ كنت سـ أخوضُ لولا
أن بعثتكَ لي الحياةُ ذات عبثْ .. لولا أن شبكتنـي بك الأقدار في يومٍ
هادئٍ ماتَ فيهِ عمّي الذي لم أرهُ يومًا !

صديقي أنـا آسفٌ جدًا، لأنني كنت دومًا الصوت الباكي،
الرأس المُطرق و اليد البلهاء، لأنني كنت دومًا المتردد
و الناكث الوعد، المتصوّف و البعيد عن كل الأشياء و
التجارب الجديدة .. آسفٌ لأنك دومًا فتحتَ كفّك باتساعٍ
و لفحتَ بدفئك قلبي و طبطبتَ على جراحي
" لا بأس أيها المتعجرف .. سامحتُك "

 
ماذا أقول الآن للدُنيـا، كيف لي أن أقابل الصبح دون حديثك؟
و مـاذا عن كنزتي الجديدة ؟ أو أن الليل الآن سينساني ؟
تمنيتُ لو أن أنسلخَ من جسدي لا لـ شيء، لكن لأفتّش عميقًا
فيه عن ذاكرتي، و أخلفها رمادًا .. أو على الأقل ألغي منها
حادثة رحيلك !


و صديقي الذي كنّا حين ندخل مطعمًا أو محلًا مشغولًا،
كان يسعى لي .. ليبحث لي عن مجلسٍ أرتاح فيه من
نظرات النّاس المُنصبة إليّ، نحوي و عليّ لأنّي بشريٌّ
مقعّد، يرفعني فـ يجلسني على الكرسي الذي ظلّ وقتًا
يستجدي فيه الناس : " هل هذا الكرسيّ لأحد " .. يجلسني فيه
و يبتسم : " ها، ماذا سنأكل / أيّ بضاعةٍ كنت تسأل عنها " يقولها
و هو جالس عند طرفي، على ركبتيه، و يضاحكني و يقول
" حان دوري لأسرق مقعدك "، و يجلس على كرسييّ الذي
نُسب ملكهُ لي منذ وُجدت على وجهِ الخليقة حين شاء الله
أن أولد بلا رجلين .. هذا الصديق رحل عنّي، تركني أواجه
الحياة هذه المرّة لوحدي، أخذ مني حقّ أن أضمّه، أن أسخر منه
، أن نتحدى معًا .. و ترك لي فقط بضاعة ذكرياتٍ و شاهد قبر ..


تذكرهُ، ذلك المسلسل الكرتونيّ .. الذي يتحدثُ عن الأصدقاء
و أنّي الآن ان لمحت اسمهُ سـ أبكي .. و الآن فقط عرفتُ معنى الأصدقـاء !




* من نعمِ الله و نقمهِ أيضًا، أنّه صوّر في الدنيا
أجسادًا كـ أجسادنا، ذواتًا كـ ذواتنـا و قلوبًا كالتي
تنبضث بداخلنـا، و بروايةٍ أخرى تختصرُ مـا سبق
خلقَ لنـا أصدقاءْ !





- تمّ بحمد الله في تمام الثالثةِ و الدقيقةِ الخامسة ..
فجر يومِ الثلاثـاء 31-يناير-2012
و صوتُ نفسٍ بريء ينـام بعيدًا كملاكْ !





هناك تعليقان (2):

  1. الله يا لطيفة .. الله
    كريشه من جُنح ملاك لامس قلبي نصكِ ..
    الأصدقاء : شمس و طوابع بريد و وطن .. :) !

    ردحذف
  2. كيف اننا نلهثُ صوب أعتابهم حين يتوسدنا الفرحْ ..
    و ينامون هُم عند رؤوسنـا حين يأكلنا وجعٌ ما !

    عطرٌ و ياسمين (:

    ردحذف